يرفض مايكل جونستون في كتابه المتعمق (متلازمات الفساد) الصورة النمطية التي تفترض أن الفساد مرادف للرشوة فقط دون غيرها من المظاهر، وينقل عن كليتغارد أن (الفساد = الإحتكار + حرية التصرف – المساءلة). وعندما نتأمل الكارثة التي أصابت جدة وما حولها مؤخراً سنجد فعلاً مدى تشابك عناصر الفساد. ولذلك من يلقي باللوم الموضعي على الأمانة دون غيرها يدعنا نتساءل : هل الأمانة تعمل باستقلال عن باقي المؤسسات؟ أليس فوق الأمانة وزراة للشؤون البلدية والقروية؟ أليس يوازيها مجلس بلدي مكلف بمحاسبتها والذي اجلت انتخاباته على نحو مفاجيء قبل عدة أشهر وجعلته القوانين المنظمة لعمله شبه مشلول، مثل عدد أعضائه الصغير جداً (لكل الملايين التي تسكن جدة هناك 14 عضوا فقط أحدهم أمين جدة الذي مهمة المجلس مراقبة أداء جهازه!)؟ أليس تحت الأمانة إدارات مختلفة وعقود متنوعة مع عدة مقاولين؟ وإذا تركنا الناحية البلدية من الكارثة وجئنا للناحية الإغاثية فنتساءل أين خطط الطواريء لدى الدفاع المدني والجهات المختصة؟ أين التعاون مع فرق الغواصين والمهندسين في القطاعات العسكرية المختفلة؟ هل قامت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بالتحذير من الكارثة أم لا؟ وإذا أخذنا الناحية المالية ستقابلنا أسئلة رئيسية أخرى مثل : هل المبالغ المعتمدة كافية؟ وهل تصرف بالسرعة المطلوبة؟ وهل تصل هذه المبالغ إلى المراد منها؟ وهل يراجع أعضاء مجلس الشورى وزارة المالية وميزانيتها السنوية؟ وكم كان مقدار عنايتنا بتقارير ديوان المراقبة العامة الذي قال رئيسه قبل نصف عام تقريباً إن «ديوان المراقبة لا يراجع الحساب الختامي للدولة على الرغم من أن النظام كفل له ذلك» مطالبا سرعة إصدار النظام الجديد الذي رفع من 12 عاما، إذ أن الديوان يعمل بلوائح صادرة قبل نحو 30 عاما؟! وإذا تجاوزنا ذلك إلى الناحية الصحية يحق لنا أن نتساءل عن دور وزارة الصحة في خطط الكوارث، وعن سوء توزيع الخدمات الصحية في جدة بل ومناطق المملكة كلها، فتجد الآلاف من سكان الأحياء المتضررة لم يكن لهم قبل الكارثة إلا مستشفى واحدة وليست حكومية، وبعد الكارثة غرقت وصاروا بلا مستشفى! ما الذي فعلناه حين رفعت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عدة موضوعات لوزير الصحة كان على رأسها «عدم توزيع الخدمات بشكل متوازن على مناطق المملكة» أو حين أوصت « بضرورة قيام وزارة المالية بدورها في هذا الشأن من خلال تخصيص الدعم المالي اللازم لتنفيذ هذه المشاريع أو استكمالها في مختلف مناطق المملكة من أجل حصول جميع المواطنين في مختلف مناطق المملكة على العناية الطبية اللازمة « أو حين ذكرت هذا وغيره في تقريرها الثاني عن حالة حقوق الإنسان في السعودية وأكدت فيه أنه «ينبغي الأخذ في الاعتبار عند التوجه نحو تعميم التأمين الصحي على المواطنين والمقيمين ضرورة التأكد أولاً من توافر المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية الكافية والمؤهلة لتقديم الخدمة الصحية في كافة مناطق المملكة»؟ وسنجد أسئلة أخرى مشابهة حيال أداء أجهزة أخرى، وهي أسئلة ضرورية في الحرب على الفساد لأن تشخيص الداء هو نصف الدواء وهو الخطوة الأهم لبدء العلاج الملائم، ولأن التعامل السليم معها هو الذي سيحمي كل مناطق المملكة من كوارث قادمة، ومرجع هذه الأسئلة كلها يعود بنا إلى سؤالنا الرئيسي في هذه الحرب - التي سننتصر فيها بإذن الله – وهو : هل هو فساد موضعي أم فساد بنيوي؟