كشفت زيارة أيتام جمعية البر لمنزل الدكتور طارق الجهني الذي توفي أثناء إجراء عملية جراحية في مستشفى خاص بجدة، عن مدى حرصه يرحمه الله على عمل الخير ومساعدة الأيتام والمحتاجين دون أن يظهر هذا الجانب خاصة وأنه كان يشرف على علاج أغلب أبناء الدار في عيادة الأسنان التي افتتحها متكفلاً بعلاجهم. ولم يكن هذا العمل الإنساني وليد الصدفة، بل كان يمارسه منذ أن كان طالبا في سنة الامتياز، حيث ذهب أحد أطفال الجمعية إلى والدة د. طارق ليريها أسنانه التي قام بعلاجها له. وكانت لهذه الزيارة أثرها الكبير في تخفيف آثار الصدمة التي تعيشها الأسرة عقب وفاة ابنهم بخطأ طبي فادح. وذكرت تسنيم الجهني «شقيقة الفقيد» أن زيارة الأيتام أثلجت صدر والدتها التي كانت في حالة انهيار تام، حيث كشفت هذه الزيارة عن جانب إنساني لم نكن نعرفه عن شقيقي لأنه كان يحرص على أن يكون عمله في الخفاء. وأضافت : شقيقي طارق كان يحب العلم ويعمل على نشره، ويضع قيمة عليا للإتقان في العمل، ورغم صغر سنه إلا أنه وصل لمنصب قيادي في مجال عمله، وكان يقوم على محاضرات وورش عمل مجانية لطلابه في جامعة الملك عبدالعزيز. وعبرت عن أملها في أن تكون وفاة د. طارق سبباً في تغيير الأنظمة الخاطئة ببعض المستشفيات حيث كشفت عن اتصالات لمتضررين من أخطاء طبية في نفس المستشفى. عيادة الفقراء وتكمل تسنيم حديثها : سنكمل مشاريع د.طارق بإذن الله حيث كان لديه عيادة يعالج فيها الفقراء بأجر رمزي، مع تخصيص ثلاثة أيام للأيتام بالمجان، وله ايضا مركز تثقيفي مجاني لطلاب الأسنان لتقديم محاضرات وورش عمل، ويشرف سنويا على المؤتمر السنوي للمستشفى التخصصي حيث يعمل به مديراً لقسم الأسنان وكل ذلك باجتهاد شخصي منه، ولديه اكثر من 80 شهادة تقدير من اكثر من جهة طبية. وتابعت كان أخي المسؤول عن الأسرة كونه الولد الأكبر، وكانت كل طموحاتنا فيه ولكن ضاع كل شيء في لحظة استهتار. رحل قبل أن تكتمل سعادته وروى محمد الجهني - 38عاما - ذكرياته مع شقيقه د.طارق الذي رزق بابنتين بعد فترة طويلة من عدم الانجاب، واسمى مولودته الأولى فرح فرحاً بقدومها وعمرها الآن أربع سنوات، إضافة إلى لارا ذات العشرة أشهر، لتضيفا إلى حياته مزيدا من السعادة ولكنه رحل قبل أن تكتمل سعادته بمشاهدته لهما وهما تكبران. روح التحدي وتابع حديثه قائلاً: طارق كان قدوة للجميع وهو شخص استثنائي مجتهد ثابر وصنع نفسه بنفسه وتجاوز كل التحديات، فتأثيره لم يكن علينا فقط في محيط الأسرة، بل تعدى ذلك إلى التأثير على كل من حوله منذ ان كنا أطفالا صغارا، كان يبحث عن كل جديد وأتذكر حين اشترينا أول جهاز حاسب آلي عام 1985م في وقت لم يكن هنالك أي اهتمام بهذه التقنية، قام طارق باختراع وابتكار طريقة لنقل الألعاب، وهو يحاول دائما أن يعمل كل ما هو جديد متحدياً كل العوائق والصعوبات بكل حرية، لا يلتزم بأي شيء قد يعيقه عن تحقيق أهدافه، كما كان متفوقاً دراسياً حيث تخرج ضمن الأوائل ب99% وتلقى شكر صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان، وقد درس في البداية سنة بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن قسم الحاسب الآلي، إلا انه اكتفى بهذا القدر ليجد أن بإمكانه تحقيق الكثير في طب الأسنان، فقرر حينها أن يصبح طبيباً فتوجه الى جامعة الملك عبدالعزيز لدراسة الطب وتم تعيينه بعد التخرج بالمستشفى العسكري بتبوك وبعد ذلك كانت المحطة التي تليها «ارامكو» ليعمل طبيب أسنان فيها واجتهاداته كانت واضحة في كل مجال، فقد كان له توجه اجتماعي أيضا حيث أصدر نشرة تثقيفية في المستشفى، ونظراً لاجتهاده ابتعث إلى أمريكا ليحصل على الزمالة الأمريكية في سنتين. وطني أولى بي وأضاف: عرضت على شقيقي الجنسية الأمريكية عندما كان يدرس الزمالة هناك ولكنه رفضها، وما زلت أتذكر كلماته الرنانة حين يقول «وطني أولى بي، فأنا لم اجتهد إلا لأخدم الوطن والمجتمع، فبدون مجتمعي سأبقى وحيدا طيلة عمري» ، وقد حقق طارق جزءا من أحلامه في خدمة المجتمع بافتتاحه لعيادات ومعمل للأسنان، واكتشفنا أعماله الخيرية بعد وفاته من خلال الاتصالات التي أتتنا والمعزين الذين حضروا لمنزلنا، فقد كانت له نشاطات منذ ان كان طالبا في الامتياز ونشاطاته تكبر مع كبر منصبه. وذكر أنه كان مطلعا ولا يختار في عمله إلا الأجود برغم قلة الإمكانيات، فهو لا يرى الخسارة أمام الجودة ودائما ما ينادي إلى العمل بأمانة. واختتم محمد حديثه مؤكداً أن طارق لم يكن طبيب أسنان فقط، بل كان هاويا للتصوير الفوتوغرافي وشاعرا ورساما ومهتما بالتكنولوجيا والسيارات .