* أعتبُ كثيراً على الأحبة في تحرير صحيفة الشرق الأوسط إفساحهم المجال لأحد قادة الكيان الصهيوني لعرض أفكاره، وتوجيه خطاب مؤدلج ومُسيّس للعالم العربي حكومات وشعوبًا، كما حدث يوم الثلاثاء الماضي عندما كتب داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي مقالاً طويلاً عنونه ب: «خطاب مفتوح إلى العالم العربي». * المقال ليس بجديد إطلاقاً في مضامينه عن ما تعودناه من قادة الكيان الصهيوني منذ بدء اغتصاب الأرض الفلسطينية في منتصف القرن الميلادي الماضي. فالمقال وإن كان يوحي من عنوانه أنه رسالة موجهة إلى العالم العربي وبإيجابية، فهو مليء بالمغالطات التاريخية والأخلاقية والحياتية والسلوكية للإسرائيليين، وليس سوى دعاية وإدعاء أراد به نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أن يكسب التعاطف الشعبي في بعض الزوايا والفضاءات المجتمعية العربية. * من مغالطات المقال قول الكاتب: «منذ إنشاء دولتنا سعى قادة إسرائيل إلى السلام مع جيرانهم العرب. وإننا نبسط أيدينا لكل الدول المجاورة ولشعوبها نعرض عليهم السلام والجيرة الحسنة، ونطلب منهم إرساء أواصر التعاون المشترك». كل كلمة في هذه الأسطر مغالطة تاريخية وتزوير للواقع، ولكن هم هكذا قادة الكيان الصهيوني وصهاينة العالم يحورون الكلمات لكسب التعاطف وإبداء النوايا الحسنة التي هم أبعد ما يكونون عنها. * في السطور السابقة ادّعاء أن قادة إسرائيل، ومنذ تأسيس دولتهم سعوا إلى السلام مع جيرانهم، فلاحظوا السعي والجيران وحرفنة استخدام ألفاظ تترسخ مباشرة في العقل الباطن للذهنية المجتمعية العربية، لتعطي الانطباع بسلامة التوجهات الصهيونية، ولإلغاء حقيقة اغتصاب الأرض، اضافة إلى استدعاء الطيبة وحسن النية في الذات الصهيونية. * في موقع آخر من المقال لم ينس السيد داني أيالون أن يذكرنا كجيران له ما قامت به الحكومة الإسرائيلية من خطوات للمفاوضات مع الفلسطينيين، ووقف بناء المستوطنات حين يقول: «خلال الآونة الأخيرة اتخذت الحكومة الإسرائيلية خطوات كبيرة تجاه إعادة بدء المفاوضات مع الفلسطينيين، والوصول إلى العالم العربي، وربما الأكثر أهمية إعلان الحكومة اليمينية في خطوة غير مسبوقة، وقف بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. * أمام هكذا طيبة متناهية، وأمام هكذا نوايا خيرة لم ينسَ نائب وزير الخارجية الإسرائيلية أن يلقي اللوم على الأمة العربية، فهي التي لم تقبل كل هذه المبادرات الصهيونية الرائعة، وأن الأمة العربية هي التي تعارض إقامة السلام والتعايش مع الإسرائيليين. * الأدهى من ذلك فالصهاينة الذين اغتصبوا الأرض والتاريخ والثقافة هم الآن -بحسب السيد أيالون- من ينبهونا كعرب وكجيران لهم إلى أخطار محدقة بنا ونشترك فيها مع الصهاينة، وأن مصيرنا في مواجهة هكذا أخطار واحد ومشترك. فالنظام الإيراني وقوى التطرف خطران ليس على إسرائيل وحدها، بل وعلينا معهم نحن كعرب، ولهذا فهو يطالبنا بضرورة الاتحاد مع الصهاينة لمواجهة هذه الأخطار. * كما لا ينسى نائب وزير الخارجية الإسرائيلي إلى تذكيرنا بما سيكون إنعاشاً تنموياً هائلاً لأمة العرب في التعاون مع الصهاينة، والاستفادة من خبراتهم في مجالات الزراعة والتغيير المناخي، وحتى لا يدع الفرصة الذهبية تفوته يشير إلى أن إسرائيل تقبل بالمبادرة العربية لولا أنها أي المبادرة «تملي على إسرائيل شروطاً لعملية السلام». * في قراءتي تفاصيل المقال ومضامينه لم أستغرب ثعلبية نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، كما لم أستغرب مغالطاته وسعيه إلى إظهار الصهاينة في صور وديعة ولطيفة. فهذه سلوكيات تعودناها من قادة الصهاينة بل ما استغربه هو سماح الإخوة في الشرق الأوسط له بعرض كل هذه الأفكار وبصورة بارزة؟!.