إذا كانت ثقافة الفساد هي ابنة ثقافة ما، فأعتقد أنها ثقافة الفهلوة. ثقافة الفهلوة المنتشرة في العالم العربي كله هي التي أورثتنا هذا الواقع الذي يسيطر الفساد على كل جوانبه. نحن شعوب نعتقد أننا يمكن أن نحصل على كل شيء بالفهلوة ابتداء من رضا المدرس ومرورا بما تحتوي عليه محفظة الزبون وانتهاء بارتقاء المناصب القيادية. ولو بحثت قليلا في التاريخ لوجدت أن للفهلوة مرادفا قديما هو الدهاء. والدهاء يعني الحيلة الواسعة والغش وقلب الحقائق وتضليل الناس بغرض تحقيق المصلحة الشخصية للداهية أو الفهلوي حسب لغة هذا الزمان. هذه المهارة الاجتماعية التي نطلق عليها الفهلوة هي أهم مقومات النجاح في عالمنا العربي. ومهما قالوا لك إنه يمكنك التعويل على مواهبك ومؤهلاتك العلمية والعملية في صنع مستقبل مشرف، فاعلم أن الكلمة الفصل في نهاية المطاف هي للفهلوة وليست لأي شيء آخر. في زمن الراشدين لم يكن للدهاة من الساسة والقادة والشعراء مكان. بل إن الداهية من هؤلاء كان يتلقى التوبيخ كجزاء على محاولات التقرب التي يبذلها عن طريق الحيلة. وفي إحدى الوقائع التاريخية أن الإمام علي قاطع أحد مادحيه الذي كان يظهر ما لا يبطن بمقولة هي من أجمل ما قرأت : ((أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك)). ولم يخلٌ عصر مابعد الراشدين من الأئمة العدول الذين ظهروا في حقب زمنية مختلفة والذين كانوا يرفضون التزلف ومنهم الحسن بن علي وعمر بن عبدالعزيز وصلاح الدين الأيوبي. ونحن على ثقة ان خادم الحرمين الشريفين يسير على نفس نهج هؤلاء الأئمة. الفهلوة هي أم الفساد.