كان يا ما كان فيما يحكى من غابر الأزمان عروس فاتنة يحكي الناس حسنها ويتغنون ببهائها، لها شباب لا يفنى وثوب زفاف لا يبلى، جمالها يخطف النظار، وسحرها يسلب الألباب، يقف الزائرون على أعتابها مبهورين مسحورين، ويودعونها بقلوب بها قد تعلّقت، وحب بلغ منهم مبلغه، وفي لحظة من اللحظات التاريخية بأذيال ثوبها العروس تعثرت، فانطبق عليها قول القائل «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه» استبدلوا اسم العروس بالعجوز، وكأني بالشاعر الذي يقول «كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدًا وبغضًا إنه لدميم» زعمًا وادعاء قالوا خلعت زينتها، وألقت ثوب عرسها، وتجرّدت عن جمالها وزينتها، وإنها -لعمري- العروس التي تظل عروسًا على مر الأزمنة، وتقلّب الأحوال، وسيخلص لها كثير من الأخيار، ومن مغيب شمس على غدها الجميل تستمد طاقة تبني بها حلم يوم جديد. عرائس المدن لا تعرف التزييف والخداع، الكذب والرياء، أقوى من ضعف يعتري البشر، وأبقى من نفوس استوطنها الجشع والطمع، إن حاولت نيران الشر إحراقها استمدت نورًا يزيدها توهجًا وجلالاً، وإن حاولت رياح الغفلة اقتلاع جذورها زادت ثباتًا واستقرارًا .