ستظل «فاجعة الأربعاء» بمثابة صفحة سوداء في تاريخ عروس البحر الأحمر يتمنى سكانها لو يطوونها إلى الأبد، وبثور تشوه وجه مدينتهم الذي كان مشرقاً كمدينة سياحية يفد إليها الزوار من داخل وخارج المملكة قبل أن تعبث بها هذه الكارثة التي كشفت عن حجم الإهمال والفساد الإداري الذي عانته جدة عبر سنوات طوال ودفعت ثمنه غالياً أرواحاً وممتلكات ومكتسبات حضارية وتنموية ذهبت جميعها مع السيل الجارف. «المدينة» كانت في قلب الحدث منذ اليوم الأول ترصد معاناة المواطنين والمقيمين مع هذه الكارثة المأساوية، وتتابع جهود الأجهزة المعنية بإنقاذ المحتجزين وانتشال الجثث وتخفيف معاناة المتضررين، منبهة إلى أي قصور أو خلل في هذه الجهود من أجل تلافيه، وظلت جسر تواصل بين المتضررين والمسؤولين، تحقيقاً للهدف الأسمى وفقاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين بأن تكون الأولوية لإيواء المتضررين وتقديم الإعانة اللازمة لهم وتوفير كل ما يحتاجون إليه. وهنا تقدم «المدينة» رصداً شاملاً لحكاية «سيول جدة» وتسلسل أحداثها زمنياً منذ اليوم الأول، مدعماً بلغة الأرقام التي لا تكذب. * الأربعاء 8 ذو الحجة 1430ه كانت البداية زخات مطر خفيفة على محافظة جدة مع ساعات الصباح الأولى ليوم الأربعاء الثامن من ذي الحجة وضيوف الرحمن يمضون يوم التروية في مشعر منى تأسياً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، استبشر سكان العروس بها واعتبروها بشارة خير ليوم جميل، قبل أن تتحول إلى أمطار غزيرة. وعند حوالى الساعة الحادية عشرة بدأ تدفق كميات كبيرة من مياه الأمطار على الأحياء الشرقية لمحافظة جدة على شكل سيول جارفة. وعلى الفور رأس صاحب السمو الملكي الامير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز محافظ جدة اجتماعاً للجنة عاجلة في مقر ادارة الدفاع المدني، ومن ثم بدأت اللجنة اعمالها الميدانية التنفيذية في الساعات الأولى، حيث تم الاعتماد على الطيران العمودي عبر اربع مروحيات . ووجه الأمير مشعل جميع الجهات المختصة بتأمين كل الاحتياجات للمواطنين والمقيمين المتضررين من إيوائهم وصرف إعانات وتوفير كل ما يلزم لهم من إعاشة واحتياجات. كما وجه بسرعة رفع الأضرار عن المناطق المتضررة وإزالة السيارات المتراكمة في وسط الطريق وعلى أطرافه ووضعها خلال يومين في منطقة واسعة ليتم تعرف المواطنين والمقيمين على سياراتهم، على أن يتم رفع الضرر أولاً عن سكان الاحياء المتضررة المحتجزين جراء المياه وإعادة تنشيط حركة الشوارع الرئيسية والفرعية داخل هذه الاحياء لتسهيل حركة سكانها. وصدر أول بيان من محافظة جدة مبيناً مصرع 44 شخصا في السيول واصابة 50 وانقاذ350 عن طريق الدفاع المدني. * الخميس 9 ذو الحجة 1430ه وفي اليوم التالي «الخميس» صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بسرعة تقديم المساعدة العاجلة للمتضررين. وقام الأمير مشعل بن ماجد بجولة ميدانية على جميع المناطق المتضررة من هطول الأمطار والسيول، رافقه فيها وزير النقل الدكتور جبارة الصريصري ومدير شرطة محافظة جدة اللواء علي بن محمد السعدي ومدير إدارة الدفاع المدني بمحافظة جدة، وشملت الجولة طريق الحرمين وأحياء قويزة، الروابي، والعدل وجسر الخير. ووجه سموه بتشكيل اللجان الميدانية والتي وصل عددها إلى 33 لجنة ميدانية موزعة على الاحياء المتضررة، وتضم مندوبين من محافظة جدة والجهات المختصة لحصر الأضرار. * الجمعة 10 ذو الحجة 1430ه وبحلول اليوم الثالث «الجمعة» ارتفع عدد وفيات السيول الى 83 حالة، فيما تم ايواء 52 أسرة حسب بيان الدفاع المدني لذلك اليوم، قبل أن يعلن لاحقاً ارتفاع عدد الضحايا إلى 85 حالة. وتابع الأمير مشعل عمل اللجان ووجه المسؤولين بالإسراع في إعادة التيار الكهربائي إلى الأحياء المتضررة والتي انقطعت عنها الكهرباء بسبب السيول، وإزالة ركام المساكن المنهارة في هذه الكارثة. وقام وزير النقل بجولة على طريق الحرمين الذي شهد أضراراً كبيرة. * السبت 11 ذو الحجة 1430 ه شهد يوم السبت الحادي عشر من ذي الحجة انقاذ 1399 مواطنا ومقيما ممن احتجزتهم السيول، فيما ارتفع عدد المتوفين إلى 103 حالات حسب بيان الدفاع المدني. وفي ذات اليوم أعلن وزير المالية عن بدء صرف تعويضات متضرري السيول. * الأحد 12 ذو الحجة 1430ه وبعد مرور أربعة أيام على الكارثة أصدر سمو الأمير مشعل بن ماجد توجيهاته بالعمل على مدار الساعة لإعادة الوضع إلى طبيعته، وبالمقابل أعلن الدفاع المدني عن ارتفاع عدد المتوفين إلى 105 حالات. * الاثنين 13 ذو الحجة 1430ه وفي اليوم التالي «الاثنين» صدر أمر ملكي يوجه وزارة المالية بصرف مليون ريال لذوي كل شهيد غرق في أمطار جدة ، وتشكيل لجنة عالية المستوى لتقصي الحقائق حول هذه الكارثة. وفور عودة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة من المشاعر المقدسة بعدما أشرف على جهود الأجهزة المعنية بخدمة حجاج بيت الله الحرام، قام بجولة ميدانية وجوية على الأحياء المتضررة وقف خلالها على الوضع ووجه بمضاعفة الجهود لاحتواء آثار الكارثة وتخفيف معاناة المتضررين. * الثلاثاء 14 ذو الحجة 1430ه وأعلن الدفاع المدني في بيان أصدره يوم الثلاثاء 14 ذو الحجة عن وصول عدد ضحايا السيول إلى 108 حالات وأكثر من 30 مفقوداً ، وتضرر أكثر من 3682 منزلاً في 55 حياً سكنياً. * الجمعة 17 ذو الحجة 1430ه ارتفع عدد الوفيات إلى 109 حالات اضافة إلى 39 مفقوداً حسب بيان الدفاع المدني الذي أعلن عن تخصيص ثلاثة مخيمات إيواء احتياطية تتسع ل 32800 شخص لاستيعاب المتضررين في حال حدوث سيول أو كارثة من بحيرة الصرف الصحي «بحيرة المسك» لا سمح الله. * السبت 18 ذو الحجة 1430ه وبحلول يوم السبت 18 ذو الحجة عقدت لجنة تقصي الحقائق أول اجتماع لها برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، في مقر الإمارة. وارتفع عدد الوفيات إلى 113 حالة، إضافة إلى 48 مفقوداً حسب بيان الدفاع المدني. آخر إحصائية وتشير آخر احصائية للدفاع المدني أن عدد الوفيات بلغ 121 حالة، فيما تقلص عدد المفقودين الى 40 مفقوداً.