كشفت مأساة السيول في جدة، عن خير وفير متأصل في قلوب الناس، وإحساس كريم غامر بالواجب نحو الضحايا والمتضررين، ابتغاء وجه الله، وطلبًا لمرضاته. وسارع الناس رجالاً ونساءً، شيبًا وأطفالاً إلى مد يد العون والمساهمة في جهود الإنقاذ، وتوفير احتياجات المتضررين وإيوائهم، وتنظيف بيوت الله، ومدارس التعليم في هذه المناطق المنكوبة، فكانت بحق ملحمة خير وبر وتكافل ومرحمة. * * * ذكّرني ذلك بالمؤتمر السعودي الأول للخدمات التطوعية، الذي انعقد في مكةالمكرمة (عام 1417ه)، تحت رعاية سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني وزير الداخلية، وبمبادرة من معالي الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي مدير جامعة أم القرى يومئذٍ، فقد كان المؤتمر سابقة علمية متميزة، تركزت بحوثه ودراساته على تأصيل العمل التطوعي تأصيلاً شرعيًّا ومعرفيًّا وعمليًّا، وتفصيل سبل تنظيمه، وإرساء قواعد مؤسساته، وتدريب كوادره، والإلمام بكل التجارب الناجحة للعمل التطوعي في مختلف أنحاء العالم. * * * ثم انعقد بعد ذلك المؤتمر السعودي الثاني للخدمات التطوعية (عام 1427ه)، تحت رعاية سمو الأمير نايف بن عبد العزيز، وفي رحاب جمعية الهلال الأحمر السعودي في الرياض، فقطع شوطًا آخر في مأسسة العمل التطوعي تأصيلاً وتنظيمًا وتدريبًا، في بحوث علمية من مختلف ذوي الاختصاص. ولابد أن نذكر في هذا الصدد، الجهود المشكورة التي بذلها معالي الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية، في رعاية صناديق البر، وجمعيات الخير، وهيئات الإغاثة في البلاد، في أكثر من مؤتمر تنسيقي، تنظيمًا لها، وإرساءً لقواعد التكامل والتنسيق فيما بينها، ودراسة لمختلف تجارب شعوب العالم في هذا الميدان المبارك. لستُ في حاجة إلى بيان عظيم أجر أفعال الخير في دين الله، وعظيم ثواب السعي لكفالة الأيتام، ومساعدة ذوي المسغبة والمساكين، وقضاء وتوفير احتياجات الفقراء، والأمل كبير أن تكون كارثة السيول في جدة، منطلقًا لوزارة الشؤون الاجتماعية، لاستكمال ما بدأته مشكورة مأجورة، حتى تقوم في بلادنا جمعيات إغاثة وهيئات بر ومراكز رعاية، كأحدث ما تكون في مختلف أنحاء العالم، وحتّى يتم كل ذلك بكوادر مدربة، وهيئات منظمة، ومهنية عالية، تغطي مختلف مجالات الخير والبر والرعاية في البلاد.