ويرى الدكتور علي بن محمد الرباعي أن موضوع الحجاب – على مر العصور - كان محل أخذ ورد بين العلماء، وقال: كنا إلى زمن قريب نأنس لفتوى عالم متبحر في علوم الشرع وفقه الواقع، ولكن للأسف الشديد غدا الدين وأضحت الفتوى مراكب لكل من حفظ آيتين، أو سمع حديثين ليغدو مرجعاً في قضايا عامة. وأحسب أن الحجاب منذ تشريعه ظل محل خلاف في نوعه وموقعه وطريقة لبسه، وكتب التفسير المعتمدة تطرح لنا رؤى مفسرين وفقهاء اختلفوا عليه منذ زمن الصحابة، وليس هناك قول راجح وآخر مرجوح، بل كل الأقوال عندي كباحث شرعي مرجوحة وقابلة للتأويل والاحتمالات، كون اللباس مرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف والفلكلور أكثر من ارتباطه بقضية عقدية أو إيمانية. ويمضي الرباعي قائلاً: أما الاختلاط فالأصل في المجتمع المسلم اختلاطه حتى جاءت الأفكار الإسلاموية فعزلت الأسر عن بعضها وحرّمت ما لم يحرمه الله وأدخلتنا في نفق ضيق مظلم لتحقيق أجندة وافدة على واقع محلي مسالم، ولعلنا سمعنا وعشنا قصصا حرمت آباء من رؤية أحفادهم وإخوان من إخوانهم بذريعة سد ذرائع الفساد المتوهم فسدت بفهمها القاصر للنص الشرعي، فالنصوص القرآنية نزلت لخدمة الإنسان والرقي بآدميته لا لتوحشه وتوتيره وإدخاله في صراع مع نفسه ومحارمه، ولم تبدأ مجتمعاتنا مرحلة المرض والشك إلا حين ظهر الحجاب الإسلامي، والصحوة الإيمانية التي أدخلت الناس حظيرة الأقوال المنفرة من الدين، والباعثة على الريبة في النفس والمال والأهل. فقضية الفصل بين الجنسين لم يكن لها أصل شرعي زمن النبوة علماً بأنه زمن تشريع والبيان لا يتأخر عن وقت الحاجة، والمرأة شريك فاعل وحيوي للرجل في مزرعته ومصنعه ومتجره عبر القرون ولم ينكر نكير، ونحن حين تجرنا الخطى إلى ماليزيا أو تركيا وهي بلدان إسلامية نرى فيها تكاملاً بين الرجال والنساء دون ريبة أو مظنة سوء، علماً بأن للفساد أهله من المختلطين والمنفصلين بل ربما كان فساد الفصل أقبح ولكنا تعودنا على الازدواج فيدّعي بعضنا الفضيلة علنا ويأتي في السر ما يستحيي منه غير المسلم!! ويستطرد الرباعي بالقول: إن للرجل وللمرأة عناصر وخصائص لا يمكن تفعيلها إلا بتفاعلهما إيجابياً، وتشاركهما حقيقياً وفق الضوابط العامة والأخلاق المجمع عليها بين الأمم، فديننا متمم لمكارم الأخلاق المتأصلة عند من سبقنا، والعفة كما أزعم هي خلق وسلوك وليست لباساً يواري السوءة ومن تحته تختفي الخوافي. إن معظم أصدقائنا المتدينين يضيعون زمنا طويلاً من وقتهم الثمين في نقاش مسائل خلافية وفرعية يمكن تجاوزها لأن الشك في المرأة عموماً سيثير في دواخلنا ريبة في أمهاتنا وجداتنا وزوجاتنا وأخواتنا وهذا عيب ومنقصة. ويختم الرباعي قائلاً: الخلوة المحرّمة عند العلماء في انفراد رجل بامرأة أو امرأة برجل في مكان خاص يأمنان من دخول أحد عليهما وهذا لا مجال للخلاف عليه وفيه. أما الاختلاط فالأمم والشعوب وجداتنا وأجدادنا الطيبين في هذه المنطقة وربما آباءنا وأمهاتنا كانوا يعملون رجالا ونساء مع بعضهم البعض دون تكلف أو تطرف، فهل كان منهجهم جاهلياً كما يدّعي البعض أم أنهم كانوا أنقى وأتقى وأقرب إلى الله منا؟ إننا لم نعرف هذه التفاصيل المتطرفة إلا منذ سلمنا عقولنا وأفئدتنا لوعاظ وخطباء لا دراية لهم بالفقه في دين الله فأرهقونا بالجر والفر والكر في أودية وشعاب لا قرار لها.