نشر مقال للأستاذ نجيب عصام يماني في الرسالة يوم الجمعة 14/9/1430ه بعنوان (تقبيل الحجر الأسود لا أصل له في الشرع)، وجاء فيه بآيات فيها النهي عن الشرك بالله تعالى وجعل تقبيل الحجر الأسود من هذا الباب، ولذلك يجب المنع عن التقبيل (نعوذ بالله). ثم نشر رد علمي قيم مفصل في عددين من الرسالة وهما في 13 شوال سنة 1430ه وفي 20 شوال 1430ه لفضيلة المحدث الجليل الأستاذ الدكتور خليل إبراهيم العزامي حفظه الله موفقًا لكل خير فأحسن وأجاد جزاه الله خيراً. وبعد ذلك نشر في الرسالة يوم الجمعة 27 شوال 1430ه رد على مقال الأستاذ عصام يماني لفضيلة العلامة الأستاذ عبد الله فراج الشريف بارك الله فيه وجزاه خيراً. وكنت آمل بعد هذين الردين بأن الأستاذ عصام يماني سيرجع عن رأيه الشاذ في هذا الأمر الخطير، ولكن فوجئت برده المنشور في الرسالة يوم الجمعة 11 ذو القعدة سنة 1430ه على الأستاذ عبد الله الشريف مباشرة وعلى المحدث خليل العزامي ضمنًا، وإصراره على رأيه الشاذ. فرأيت من الواجب أن أعمل ما في وسعي لإيضاح الحق في هذه القضية الخطيرة راجيًا من البارئ الكريم أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه بفضله وكرمه آمين. أقول وبالله التوفيق: قبل كل شيء يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المتصرف وحده في كل شيء وهو سبحانه خالق كل شيء، والمخلوق أيّاً كان بشرًا أو ملكًا أو جنًا أو حجرًا أو شجرًا وغيرها كلهم تحت تصرفه وملكه "فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون"، وكل أحد من مخلوقاته هو الذي يخبرنا سبحانه عن حيثيته وحقيقة أمره، ومقدار خيره وشره وقربه وبعده منه سبحانه وتعالى. فالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن عظم مقامهم لديه وقربهم منه، والشيطان وذريته وأتباعه أخبرنا الله تعالى بسخطه ولعنته عليهم، فبقول الله وحكمه على جميع المخلوقات أيًا كانت نأخذ وبأمره نتأمر فهو إلهنا وخالقنا، ونحن عبيده وخلقه، وهذا هو التدين بدين الله والتمسك بأوامره سبحانه وتعالى. بقي أن نعلم أنه من أين نعرف أن هذا أمر الله وهذا دينه وهذا شرعه؟ أرسل الله لذلك الأنبياء والرسل وأنزل الكتب، فكان سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأنزل عليه القرآن خاتم الكتب المنزلة وأكمل به الدين. وحيث أنه ذكر فيه أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كطاعة الله وأنه يعلّم أمته الكتاب، أي يوضح أحكامه ويشرحها لهم، وذلك في عدة مواضع، وأمرهم بأن يأخذوا ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ينتهوا عما نهى عنه، فصار كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المصدران الأساسيان للتعرف على أوامر الله وأحكام شرعه. وبما أن الكتاب والسنة فيهما الأمر والإخبار عن الإجماع والقياس، لذا قال العلماء بأن (الكتاب والسنة والإجماع والقياس) هي آلات الاستنباط للأحكام الشرعية والأوامر الإلهية، وهذا الأمر مقرر ومبسوط في محله من كتب الأصول كما هو معلوم، فإذا جاءت أية قضية دينية فعلينا أن ننظر إلى هذه المصادر المذكورة لا أن نحكم عليها بآرائنا وأهوائنا، فلا عبرة برأي أحد وهواه بمقابل النصوص والإجماع. ونأتي الآن إلى قضية تقبيل الحجر الأسود، فلا شك أن الحجر حيثما كان فهو حجر لا يضر ولا ينفع في أصله مثل غيره من المخلوقات، وإنما علينا كمسلمين أن نرجع إلى كتاب الله أولاً قبل كل شيء، هل جاء فيه شيء عن هذا الحجر الأسود بالذات، فلم نجد فيه شيئا صراحة، فكان علينا بعد ذلك أن نرجع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جاء فيها شيء عنه؟ فوجدنا فيها أحاديث كثيرة تصل لدرجة التواتر عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم، منها قولية ومنها فعلية، يظهر منها جميعًا أن الرسول الصادق المصدوق سيد الموحدين وقامع الشرك والمشركين صلى الله عليه وسلم يعظم شأن هذا الحجر الأسود. •باحث شرعي