الظهور فتنة، والشهرة بلية، وحب التصدر مرض مزمن، ومنهم من مبلغ علمه بشت زاهٍ، وتمشيط لحيته، وطول سواكه، وتخشعه الظاهر، وطأطأة رأسه، وتنحنحه، وحبه لتقبيل الرأس، وكلمات التبجيل، وعبارات الإطراء، حتى لو ذكر له أنه بركة الدهر لصدق، وأن الله يحفظ الأمة به لآمن، وأن الناس كبارهم وصغارهم يدعون له لأذعن. عدوه اللدود من لا يعرف حقه، ولا يقبِّلُ جبينه، ولا يذكر جهوده، ولا ينوه بمناقبه، وخصمه العنيد من انتقده أو استدرك عليه، أو لاحظ ملاحظة، فهو عنده سيء الأدب، عديم الذوق، ثقيل الدم. إن سُئل عن سؤال أجاب: سواء وافق الحق أم أخطأه، لئلا ينكسر جاهه، وإن سئل عن حديث نبوي أدلى بدلوه، لئلا يُقال: ما عرف. إن جردت اسمه من الألقاب وألفاظ الحفاوة حفظها لك خطيئة لا تنسى، وإن مدحت شيخاً في مجلسه تذمّر واحمر وجهه وغضب. الكلام من عنده يبدأ وإليه ينتهي، أوهم نفسه أنه مُلِمٌ بالفنون، جامع للعلوم، غائص على المعاني فمثله لا يُوصف بالجهل، ولا يُضاف إليه التقصير أبداً، وهذا هو العجب كله والكبر بعينه، وهي آزفة حلت به، ليس لها من دون الله كاشفة، فلا بد من اتهام النفس، والإزراء بها، والنظر في عيوبها، فإن تحقيرها، ومقتها، والشعور بنقصها يقطع من مسافات السير إلى الله ما لا يقطعه قيام الليل، وصيام الهواجر، لأن مبنى العبودية على الانكسار، والخضوع، ولذلك أُعطي آدم مصل الذنب ليستفرغ تخمة العجب. فلما ذهب عنه ما يجد نودي الآن عرفتنا. وإنما دمر أساطين الطغيان، ورؤوس الضلال بثلاث كلمات: أنا لإبليس: (أنا خيرٌ)، وعندي لقارون: (على علم عندي)، ولي لفرعون: (أليس لي ملك مصر). والنفس قد تكون حجاباً من دون الله بحيث يصرف لها شيء من النية والعمل، فيغضب لها، وينتصر للذاتها، ويجاب طلبها، ويطاع أمرها، وهي أمارة بالسوء، مخالفتها رأس مال الفوز، ومعاكسة مقصودها غاية السعي، ومنتهى الفلاح. فيا من بُنّجَ بالعُجب، وخُدر بالكبر، ونُوّم بالغفلة، أما سمعت بلال التوبة في فجر العمر ينادي من على منارة الإنذار: حي على الفلاح، فوضئ القلب بدمع العين، واحضر صف المنيبين الأول لتسمع تكبيرة إحرام القبول، ويناديك رضوان الفوز (ادخلوها بسلام آمنين) .