إن الصورة التي ظل يرسمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ تسنمه قيادة المملكة العربية السعودية تزداد اشراقاً ولمعاناً مع اطلالة شمس كل يوم من ايام عهده الزاهر، مقدماً في ثناياها ابهى المواقف، ومسجلاً في صفحات الايام اروع الاسطر الباهرات التي حقيق بالتاريخ ان يضعها في صدر سجله الحافل بالابطال البارزين في مسيرة الانسانية.. لا اقول هذا من باب المحب المفتخر بقائده المفدى فحسب، فذاك دين واجب على كل انسان يعرف قيمة الافذاذ، بل من واقع المتأمل لصنيع مليكنا، الذي ما فتئ يضرب اروع الامثلة للانسانية في المواقف المتفاوتة والمتباينة. وان كانت بلادنا الآمنة المطمئنة قد روعتها حادثة الاعتداء على حدودنا الجنوبية من قبل جماعة بغت الفساد في الارض، فلقد كان لجنودنا الابطال الاشاوس الكلمة القاطعة في الحسم، الذي تجسد تصدياً داحراً وحازماً، وقف على صدارته وفي الصفوف الامامية مولاي خادم الحرمين الشريفين، فلقد كان لزيارته الى خطوط النار، ووقفته في الصف الاول بين ابنائه دافعاً معنوياً كبيراً بين جنود وطننا الغالي. فلم تكن تلك زيارة ككل الزيارات، بل كانت عزماً اضيف الى عزم الرجال، ومساندة فاقت في محصلتها كل المتوقع.. ليؤكد المليك بذلك انه فارس من سلالة فوارس شهد لهم التاريخ تفرداً بالبطولة وفداء بالنفس، ووفاء لوطن وحدوه بدمائهم تحت راية “لا إله إلا الله”، فملكوا بها القلوب عدلا وطمأنينة وسلاماً، وأشاعوا بين ربوعها الرفاهية والسلام، لتدور عجلة الأيام، ليقف المليك الموقف نفسه، معيداً سيرة الابطال، وضارباً اروع الامثلة لمعنى القائد الذي يسبق جنوده الى ساحة المعركة، ويشرع صدره ذوداً عن حمى الوطن الغالي. نعم.. إنها زيارة سيكتبها التاريخ بمداد الخلود في صفحاته، لتبقى مضيئة تتناقلها الأجيال بفخر وهي تروي سيرة الملك الفارس عبدالله، أبي متعب. اما الحدث الثاني والذي تجسدت فيه ابوة المليك المفدى، ومدى ارتباطه الوثيق والعميق بابناء وطنه الاوفياء فيظهر واضحاً وجلياً في الكارثة التي لحقت بمدينة جدة على اثر السيول والامطار التي اجتاحتها في يوم الاثنين الثامن من ذي الحجة، وخلفت وراءها دماراً وخراباً كبيرين، وفقدت فيها الارواح قبل الاموال، لتجيئ مواساة المليك الانسان عظيمة وهو يعلن عن تخصيص مبلغ مليون ريال مقابل كل شخص فقدته اسرته في هذه الكارثة، مهما بلغ عدد المفقودين في الاسرة الواحدة.. ان هذا الموقف الانساني العظيم من ملك القلوب عبدالله واسى قلوباً مكلومة، وضمد جراحاً كبيرة، فهانت عليهم المصيبة، ليس لكونهم استعاضوا مالاً عن ذويهم المفقودين، فأي مال يمكمن ان يعوض مفقوداً.. ولكنهم وجدوا في وقفة مليكهم ما كانوا هم بحاجة اليه حقاً من احساس بمصابهم، وعرفوا -فوق ما هم عارفون سلفاً- انسانية مليكهم، وقلبه الذي يسعهم محبة وعطفاً وابوة.. ولم يكن هذا الموقف وحده الذي خفف عليهم المصاب، وطمأن قلوبهم المذهولة من هول المصاب، بل ان قرار خادم الحرمين الشريفين بتكوين لجنة لتقصي الحقائق حول ما حدث، ومحاسبة من تسبب في هذه الكارثة الانسانية اكدت لهم ان لا فرق عند مليكهم بين حاكم ومحكوم في ساحة العدل والمحاسبة، وان لا كبير على القانون والنظام، فهذا القرار اشاع بين المواطنين ارتياحاً واسعاً، وأدركوا معه أن أي فساد لا محالة إلى اجتثاث، وأن أي مفسد سيكون تحت دائرة الضوء، يلاحقه ميزان العدل محاسبة وردعاً، مما يطمئن الجميع أن مثل هذه الكارثة لن تمر مرور الكرام، ولن يكون لها مكان في ساحة التنمية التي انتظمت البلاد، لينعم الوطن معها بخير بلاده تحت قيادة مليكنا الانسان الملك عبدالله بن عبدالعزيز. هذان الموقفان اللذان اشرت اليهما يكشفان بجلاء معدن هذا المليك، ويقفان شاهداً على أن بلادنا اكبر من ان ينالها عدو غاشم، او ان يستوطن فيها فساد ويستشري، فأبو متعب في الميدان جندي يذود عن وطنه.. وأبو متعب قلب رحيم يواسي الحزانى والمكلومين.. وأبو متعب حسام باتر لكل متقاعس لا يؤدي واجبه المنوط. سلمت أيها المليك رمزاً لمعاني الانسانية في اجلى معانيها وصورها.