بعد أيام ينعقد المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين، بعد مرور أكثر من عقد على الثاني وأكثر من ثلاثة عقود على الأول. وهذه الفترة الطويلة بين كل مؤتمر والذي يليه تستدعي أن تولي وزارة الثقافة والإعلام اهتمامًا بأسبابها، وتخطيطًا أفضل وأدقّ للمؤتمرات القادمة. وقد يكون أهمّ أسباب التراخي بين أوقات هذه المؤتمرات سابقًا هو غياب الجهة المسؤولة عنه مسؤولية كاملة، أما وقد صار في عهدة الوزارة فإن الانقطاع أو طول الأمد بين مؤتمر وآخر لن يعود مقبولاً، ومن حق الأدباء على الوزارة – وهي المعنيّة بشؤونهم- أن تجعله في قائمة اهتماماتها، وهذا هو المؤمّل من رجال الوزارة الكرام وعلى رأسهم الأديب الشاعر – مع الاحتفاظ بالألقاب- عبدالعزيز خوجة، وبعده الأديب الناقد عبدالعزيز السبيّل. والآن ماذا نريد من المؤتمر؟ لا نريد من المؤتمر – وأجيز لنفسي هنا أن أتحدّث بضمير الجمع، لا حبًّا لتعظيم النفس ولكن حبًّا لأن نشعر شعورًا جماعيًّا بأننا، معشر الأدباء، إنسان واحد- لا نريد منه أن يكون اجتماعات وندوات ينفضّ سامرها عن أحاديث جانبية أو كلمات مردّدة أو تلميع إعلامي أو تصفيق يضيع صداه بعد أن تفارق كلّ كفِّ أختَها. إننا نريد من المؤتمر أن يضع خُططًا تجعله يثمر ثمارًا حلوة، وأُولى الخطط وأَولاها أن ينعقد انعقادًا رتيبًا كلَّ سنتين تحقيقًا لما نصّت عليه الموافقة السامية، وأن يُحاط برعاية إعلامية لا مفرّ من أن تعترف الوزارة بأنها مقصّرة فيه فيما سلف، ولا عذر لها أن تقصّر فيما يأتي. إن الوزارة اليوم تشرف على خمس قنوات فضائية، وأعظم خدمة تقدّمها الوزارة للأدباء أن تستنفر قنواتها لمواكبة المؤتمر وندواته، وأن توعز للصحف بأن يكون لها قدم صدق في متابعته وتغطية فعالياته. وإن من المستحسن أن تُجعل كل دورة من دورات المؤتمر مخصوصة بتكريم أحد الأدباء، فيكون أدبه هو مجال البحث والدراسة، ومن اللائق جدًا أن يُكرّم من ازورّت الأقلام عنهم، وباتوا في الظلّ بعد أن كانوا ملء الأعين، مثل محمد الفهد العيسى، ومحمد العيد الخطراوي، أو بعض من توفاهم اللّه ولم يحظوا بالتكريم بعد مثل علي النعمي ومقبل العيسى، وهذه الأسماء أمثلة فحسب، وعدد الأدباء المستحقين للتكريم أكبر من أن يجمعه حاصر. ومن المهم جدًّا- في سياق إنجاح دورات المؤتمر- أن يُعلن موعد المؤتمر اللاحق ومحاوره العلمية قبل انعقاده بسنة في أقل الأحوال حتى يتسنى لمن يريد المشاركة في ندواته أن يعدّ بحثًا رصينًا قمينًا أن يُحتفى به، لا أن يكون مطبوخًا على نار البديهة، أقول هذا وقد رأيتُ – إذ شُرِّفتُ بعضوية اللجنة العلمية لهذا المؤتمر- أن الوقت الممنوح للباحثين غير كافٍ لأن يفكّروا في عناوين أوراقهم العلمية، فضلاً عن عدم كفايته للكتابة والبحث الجاد، وقد رأيت كثيرًا من الراغبين في المشاركة أو المستكتَبين يُحجمون اعتذارًا بضيق الوقت وهم صادقون. فإذا شاءت الوزارة أن يكون للمؤتمر كتاب دوري يضم بحوثًا رصينة وذخائر علمية ورؤى نقدية ناضجة – وهي تشاؤه بلا شكّ ولا عكّ- فعليها أن تمهل الباحثين وأن تجعل بينهم وبينها موعدًا لا يخلفه أحد الفريقين زمانًا سُوى. نار الرويّة نارٌ جدّ منضجةٍ وللبديهة نار ذات تلويحِ *عضو هيئة التدريس في كلية اللغة العربية بالرياض، عضو اللجنة العلمية لمؤتمر الأدباء الثالث