منذ مئات السّنين قال شاعر عربي فصيح: جَزَى الله الشَّدَائِد كُلّ خيرٍ أَبَانَت لي عَدوّي مِن صَديقي! وفي الشَّدائد تظهر المَقاصد قبل الأشعار والقصائد، وتُكشف النَّوايا وتتجلَّى السّجايا، وتُبرز الهدايا والخفايا؛ على وجوه النَّاس والمرايا! حسناً.. لنأخذ جردة سريعة؛ لما حصل لنا في السّنوات العشر الأخيرة، من مآسٍ وكوارث، كيف فُسِّرت هذه الكوارث! أولاً: جاء حريق لمدرسة في مكَّة المكرَّمة، لم تُعالج المشكلة، بل كُلّ ما حصل أنَّ طرفين لا يُمثِّلان 5% من الشَّعب أخذا يتراشقان، تيّار مُتديّن يُدافع عن وجوب المحافظة على خصوصيّة المرأة، وتيّار آخر يُطالب بإصلاح التَّعليم النِّسائي.. إلخ! ثانياً: جاء الإرهاب، وظهرت نفس الفئتين، فئة مُتديّنة تقول: إنَّ سبب الإرهاب هو المعاصي وظهور المُنكرات، وفئة ثانية تقول: إنَّ السَّبب هو غياب التَّجديد في التَّعليم، بوصف التَّعليم الحالي يُساعد على الإرهاب! ثالثاً: جاءت كارثة الأسهم، فظهرت نفس الفئتين، إحداهما تقول: إنَّ الخسائر بسبب معاصي الرِّبا والفوائد البنكيّة المُحرَّمة، وطائفة أخرى تقول: إنَّ السَّبب في الخسائر هذه الجهة أو تلك.. إلخ! رابعاً: إذا تجاوزنا كوارث الأمراض مِن «حُمَّى الوادي المُتصدِّع»، و»الضّنك»، و»أنفلونزا المكسيك»، فسنصل إلى «سيول جُدَّة»، حفظ الله كوننا كُلّه مِن كُلّ خطر.. لتبدأ الأسئلة وتتساجل نفس الفئتين: الطَّرف الأوّل يقول: إنَّ السَّبب المعاصي والذّنوب؛ التي يقترفها «أهل هذه المدينة»، التي كانت حالمة، فأصبحت ظالمة! أمَّا الطَّرف الآخر، فإنَّه يلوم الطَّرف الأوَّل؛ على هذا التَّفسير «المُتعسِّف» للأمور والظَّواهر.. لأنَّه لا يُمكن لأي بشر –كائناً مَن كان- أن يُوظِّف هذه الكوارث لصالحه، كما أنَّه مِن المستحيل أن يتحدَّث أحد نيابةً عن «الله – جلّ وعزّ-»! حسناً.. ماذا بقي..؟! بقي القول.. يا قوم.. كيف تُريدون مِن أصحاب هذا التَّفسير -القائل بأنَّ السّيول «عقوبة على معاصٍ»- كيف تُريدون منهم أن يكفّوا عن هذا التَّفسير؛ والآيات أمامهم تُؤكِّد أنَّ «ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»؟!.. كيف يتوقَّفون عن هذا التَّفسير وهم يقرأون في القرآن الكريم: «مَطَرَ السَّوْءِ».. وأنَّ الله لا يُرسل بالآيات إلَّا تخويفاً! إنَّ هذه الفئة لم تأت بجديد مِن عندها، فالآيات والوقائع تؤكِّد ما ذهبوا إليه، بنفس القَدْر الذي تُؤكِّد فيه أنَّ هذه الفئة أهملت أمراً آخر وهو أنَّ الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فلماذا لا يكون هذا البلاء ابتلاء..؟!، لا أملك الجواب ولا غيري يملكه، لذا ماذا ترون أنتم أيُّها السَّادة..؟!.