لكي تنجح هذه المحاسبة.. لابد ان يشارك كل صاحب ضمير حي يعرف اي معلومة.. ويملك اي دليل.. يشارك في تقديم كل مذنب ومقصر ومختلس ومرتشٍ ليأخذ عقوبته ما حدث لمدينة جدة من كوارث بشرية وبيئية ومادية أصابنا جميعا بصدمة كما اصاب قلمي بصدمة جعلته حائرا مشوشاً بين حالتين متناقضتين فتارة يريد ان يكتب ويلاحق الصور والأحداث في تسارعها.. وتارة يشعر بالعجز، وعدم القدرة على التعبير. فالمصاب كبير، والألم عظيم. لكن هناك حقيقة كلنا يعرفها جيدا.. وهي ان ما حدث كان سيحدث حتما لأن الاهمال بكل صوره يسكن كل جزء من هذه المدينة. والجشع نهب خيراتها، وفي الوقت الذي استفاد الكثيرون من خير هذه العروس لم تلقَ من يحنو عليها ويقدم لها ابسط حقوقها! وكان من نصيبها دوما أن تبتلى بالفاسدين مع سبق الاصرار، الذين توالوا عليها ونهبوها وانتهكوا حقوقها وحقوق أهلها!! لقد آن الأوان لمحاسبة هؤلاء المسؤولين فردا فردا. فما حدث لجدة وأهلها لا يمكن ان يوصف بغير الكارثة. ومرتكبوه والمساهمون فيه لا وصف لهم غير انهم سيتحملون ذنب الأرواح التي صعدت الى بارئها تشكو ظلم البشر! فكل مقصر ومرتشٍ نهب هذه المدينة مسؤول عن ذنب هذه الارواح. والفساد ينمو ويتكاثر عندما تموت الضمائر وتغيب النزاهة والخوف من الله وحينما تضعف اجهزة الرقابة او تنغمس هي نفسها او بعض اطرافها في الفساد! وقد قدم الملك عبدالله -حفظه الله- لجدة وأهلها افضل عزاء ومواساة حين اصدر قراره بمحاسبة كل من تسبب أو اسهم فيما حدث لهم بطريق مباشرة وغير مباشرة. وهذا ما يتوقعه الناس من قائد عودهم ان يكون قريبا من اوجاعهم ليسمع اصواتهم ويتعامل معهم بشفافية المصلح الذي لا يتوانى عن الضرب بيد من حديد عقابا لكل من يريد فسادا واساءة لهذا الشعب الطيب وهذه الارض الطيبة. ان قرار الملك عبدالله هذا يأتي تفعيلا لخطوات الاصلاح التي بدأها منذ ان اعتلى كرسي الحكم والقيادة. والشعب بأسره ينتظر ان يُقدم المتورطون في نهب جدة الى العدالة والمحاكمة.. وينتظر التشهير بهم حتى يكونوا عبرة لمن يتبعهم.. لا فرق بين مسؤول كبير واخر صغير ولا بين متقاعد واخر على الكرسي.. اذ لا شيء يعفيهم من المسؤولية عما حدث وعن الارواح التي زهقت بلا ذنب ودفعت ثمن موت الضمائر. لقد كانت لغة الملك حاسمة وشفافة وقاطعة.. شعرنا ان كل كلمة منها تحمل فكره ونبضه الصادق. فقد تاهت الناس بين اصوات تقلل من حجم الكارثة.. واخرى (تولول) وتزيد الطين بلة.. والمشاهد والصور على ارض الواقع مفزعة مبكية!! وكانوا في أمس الحاجة لمن يقول كلمة حق صادقة.. ليس فيها تصفية حسابات شخصية.. ولا استهتار بما حدث.. فكانت هذه الكلمة الصادقة صادرة من الملك عبدالله يؤكد فيها ان ما حدث كارثة لا يستهان بها ولا مجال لقبول الاعذار فيها وقد آن الأوان ان تفتح الكثير من الملفات والقضايا. ولكي تنجح هذه المحاسبة.. لابد ان يشارك كل صاحب ضمير حي يعرف اي معلومة.. ويملك اي دليل.. يشارك في تقديم كل مذنب ومقصر ومختلس ومرتشٍ ليأخذ عقوبته. فما حدث لجدة وأهلها يكتبه التاريخ.. وموقف الملك عبدالله يكتبه التاريخ ايضا.. فليكن موقفك ايها المواطن الشريف مسجلاً أيضا.. حينما تسهم بما تعرف من معلومات ودلائل.. لقد ضاعت ارواح بسبب التخاذل والصمت.. ورفع شعار (وأنا مالي)!! فهل استطاعت صور الفجيعة وأحداثها.. ان تستنهض حس الأمانة؟!