بوركت يا خادم الحرميْن الشريفيْن ،وسلمت يدك التي وقّعت هذا الأمر الملكي على تشكيل لجنة تحقيق عاجلة برئاسة أمير منطقة مكةالمكرمة لتقصِّي الحقائق في أسباب الفاجعة، وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص ذي علاقة بها أيَّا كان ،مع استثناء أمانة جدة من هذه اللجنة للتصحيح ومحاربة الفساد ،فأنت يا خادم الحرمين بحق رجل الإصلاح الأول ،ومحارب الفساد ،وأنت قبل كل ذلك مواطن سعودي تشعر بهموم الوطن والمواطنين ،وتتألم لآلامهم ،وتحزن لأحزانهم، فهذا المقال كتبته يوم الأحد 12 ذي الحجة ،وناشدتُ فيه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بتكوين لجنة تحقيق لمحاسبة المقصرين ،وفي مقدمتهم أمناء جدة الذين لم يكونوا أمناء عليها ؛ وإذ بي أجدك تأمر بتكوين هذه اللجنة قبل أن يرى مقالي النور ،ممّا دعاني لتعديل المقال واضافة هذه المقدمة بعد صدور الأمر السامي ،فأنت منا ،وتعمل من أجلنا ،وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته « لا يفارق ضميرك وقلبك وسمعك ،فهنيئاً لنا بك ،فمن نعم الله علينا أن جعلك خادماً للحرميْن الشريفيْن وملكاً لهذه البلاد ،فسخَّرت كل الإمكانيات لتذليل كل العقبات التي قد تصادف ضيوف الرحمن ،وجعلت ضيوفه رغم كثرتهم حتى اقتربوا من الثلاثة ملايين يؤدون مناسك الحج في سهولة ويُسر ،وعندما غرقت جدة في يوم الأربعاء الأسود ،وراح من الضحايا ما يفوق المائة أصدرت هذا القرار الحكيم . إنَّ المتسببين في هذه الكارثة سرقوا الفرحة من قلوبنا بعيد الأضحى المبارك،وسرقوا معها أرواح الضحايا،وممتلكات الألوف من البشر، فأمانة جدة للأسف لم تكن أمينة على جدة ،ولا يفوتني أن أقدم خالص عزائي لأسر الضحايا الذين نحسبهم إن شاء الله شهداء ، فالذي أرجوه من لجنة تقصي الحقائق أن تحاسب المتسببين في الآتي: 1. لابد من مساءلة ومحاسبة الدفاع المدني وأمانة جدة لعدم اتخاذ أية تدابير احترازية بعدما أعلنت مصلحة الأرصاد الجوية بتوقع هطول أمطار غزيرة على جدة ،خاصة وأنَّ الأمانة تعلم ببناء أحياء سكنية وأسواق تجارية على مجاري السيول ،وفي بطون الأودية ،كما أنَّها لم تتأكد من فعالية شبكات الصرف الهزيلة ،فهي على ضعفها وقلتها ،كانت مسدودة ،و غير صالحة. 2. معاناة جدة من حمى الضنك بسبب انتشار المستنقعات والبحيرات الناتجة عن تسرب مياه الصرف الصحي في معظم أحياء جدة ،وقد نشرت جريدة الرياض بتاريخ 29 جمادى الآخرة 1429ه الموافق 13 يونيه 2008م ،أنَّ أكثر من مائتي حالة إصابة بحمى الضنك في جدة شهرياً، وهذا ما أكدَّته مصادر الصحة في المحافظة، وهذا الارتفاع في معدلات الإصابات بهذه الحمى ناتج عن التراخي وعدم الجدية والاستمرار في مكافحة البعوض المسبب لهذا المرض الخطير الذي تصل درجة خطورته إلى الوفاة،رغم أنَّ خادم الحرميْن الشريفيْن رصد أكثر من مليار ريال للقضاء على حمى الضنك. 3. بحيرة «المسك» ،وهو اسم لا يتفق مع المسمى ، بحيرة تجمع لمياه الصرف الصحي ،وتمثل مصدراً للأوبئة والأمراض، وتشكل خطراً كبيراً على المجتمع، والأمطار الغزيرة والسيول زادت منسوب بحيرة الصرف الصحي في جدة بمعدل 10 أمتار،كما حذَّرت مصادر مطلعة في 11 من ذي الحجة،وقد حذّر خبير المياه السعودي محمد حبيب البخاري في حديثه الذي نُشر في جريدة الحياة يوم الجمعة 10 ذي الحجة من أن «بحيرة المسك» ستنفجر قريباً «وستجرف السكان والمباني المجاورة لها بما تحويه من نحو 50 مليون متر مكعب». 4. إغلاق قنوات التصريف التي أُنشئت في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز!! 5.ما كشفه مدير المياه والمجاري السابق في جدة الدكتور يحي كوشك أنّ مشكلة جدة تكمن في دفن مجرى السيول إلى البحر الأحمر، وعدم مراعاة الميل المطلوب للتصريف في شوارع جدة. متهماً أمانة جدة بأنّها لم تعمل شيئاً لحماية المدينة طوال ال30 عاماً الماضية. 6. جعل السعة التصميمية لتصريف السيول في جدة لا تتجاوز 26 مم بينما الكل يعرف أنّ متوسط الأمطار لدينا هو ما بين 100 إلى 200 مم. 7. قيام بعض الأحياء السكنية على مجارى السيول والأودية ،دون تغيير مجاري تلك السيول والوديان ،وجدة يخترقها 16 وادياً وعمدت أمانتها إلى إغلاق مجرى السيل الكبير لتنفذ عليه أسواقاً تجارية، وهذا ما جاء في تصريح المهندس محمد حبيب بخاري لجريدة الحياة الذي سبق وأن أشرتُ إليه للحديث صلة.