قصتي بدأت عندما استضفتُ ثلاثة حجاج في منزلي قادمين من لبنان العزيز، وكانت تأشيرة الحج لديهم من سفارة خادم الحرمين بدولة لبنان، كُتب عليها «معفى» أي معفى من الرسوم، والالتزام بمطوّف معيّن، أو مواصلات معيّنة على حد فهمي، وقد سلمت لهم جوازاتهم في مطار الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بجدة وبناء على ذلك. استضفتهم في بيتي لما يربطني بهم من ود، وصداقة. وإكمالاً لحسن الضيافة التي أوصانا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أصررتُ على توصيلهم إلى مكة بنفسي، وذلك يوم التروية، وهو نفس اليوم الذي غرقت فيه مدينة جدة، وخاصة جنوبها وشرقها، فأخذتُ سيارتي ال إف جي كروزر التي لا أستعملها إلاَّ عند المواقف الصعبة، فركبنا السيارة، ودعونا دعاء السفر، وتوكلنا على الله سبحانه وتعالى، وقد واجهتنا في بعض مناطق الطريق آثار السيول، ولكن الله سلّم؛ حتّى وصلنا إلى تفتيش الشميسي، والذين ساهموا في وقوعي في المصيدة، فعندما رأوا جوازات الحجاج، وأنها معفاة، قالوا لنا: تفضلوا للمصيدة، واصلنا السير حتّى وصلنا إلى موقف الشميسي، ولو أنني أنزلت الحجاج قبل أمتار من هذه المنطقة لما وقعت في هذه المصيدة، فأخبروني بأن أوصل الحجاج إلى أتوبيسات كانت واقفة في الموقف، وأني لا أستطيع أن أوصلهم إلى الحرم، فتقدمت بخطى ثابتة إلى تلك الأتوبيسات وبعد تفتيش امتعتهم، وقعت أنا في المصيدة، وأخذت سيارتي أنا أحترم جميع الأنظمة والقوانين، وأول من يطبّقها، ولا أحب أن أتوسط، أو يتوسط لي أحد عند مخالفة القوانين، فمخالف القانون يجب أن يلقى جزاءه، ولكنني عجبتُ لعدة أمور وهي: أولها: أن قانون منع توصيل الحجاج لم أعلم به إطلاقًا ويقال إنه أذيع في التلفزيون، ولسوء حظي أنا لا أشاهد التلفزيون إلاَّ قليلاً، فلماذا لم يوضع الإعلان في الشوارع وخاصة بداية الطريق كي يعلم الناس بهذا النظام؟ ثانيًا: لم يتم إبلاغي بهذا النظام عند نقطة تفتيش الشميسي، بل ساهموا في وقوعي في المصيدة، مع أنني أستطيع الحصول على ترخيص مرور بكل سهولة، حيث إن العائلة تملك شركة نقل حجاج. ثالثًا: الملازم المسؤول عاملني معاملة جافة جدًا، وصعبة، رغم أنني تخطيت نصف قرن ببضع سنين، وامتلأ وجهي بالشعر الأبيض، ولم أستطع أن أفهم الوضع إلاَّ بعد فترة، ولو أنه أخبرني بالحُسنى أن هذا هو النظام، وأنه يود مساعدتي، ولكنه لا يستطيع إلاَّ تطبيق النظام لسهل عليَّ الموضوع كثيرًا. رابعًا: كان يوجد مقدم في الموقع، فطلبتُ من الملازم أن أقابله، وأقص عليه القصة، ولكنه رفض بعنف، وأنا أرى أنه من أبسط حقوقي أن أتكلّم مع مَن هو أعلى منه رتبة، مع أني طلبت منه فقط أن يسأله بأن فلانًا يريد مقابلته، وهو يتّخذ القرار لكنه رفض بشدة. وأخيرًا فأنا أقدّر الضغط النفسي الشديد الذي يعانيه إخواننا منسوبو قوى الأمن، وأنهم يعملون في هذه الأيام ليل نهار لخدمة المواطنين والحجاج، ولكني لا أسامح هذا الملازم على هذه المعاملة السيئة جدًا التي عاملني بها، رغم أن شكلي واضح بأنني ليس من الذين يسترزقون بنقل الحجاج، ورغم أنني أكبر منه على الأقل بخمسة عشرين أو ثلاثين عامًا. عندما أدركتُ أنني لا استطيع الإفلات من هذه المصيدة، توجّهتُ ماشيًا إلى مدخل الموقف، فرآني صاحب تاكسي وقد اشتعل الشيب في لحيتي الطويلة نوعًا ما، ووافق أن يوصلني إلى بيتي وأولادي، استقللتُ التاكسي ووصلت إلى بيتي في منتصف ليل التروية، وأنا أقول: حسبي الله ونعم الوكيل.. ويا غافل لك الله..