تصدر ثلاثة من الروائيين السعوديين القائمة الأولية لجائزة (البوكر) العربية في نسختها الثالثة أمر مفرح لنا جميعا -بكل تأكيد- ولايتناقض كما ادعى بعضهم مع الفكرة (العامة) التي سبق أن طرحتها مرارا حول ضعف القيمة الأدبية للأعمال الروائية المحلية، بل ان الحاح حواس التلقي الصحيحة لقراءة أعمال ادبية خالصة على مدى زمن طويل هو الذي يفضي بطبيعة الثقافة إلى إنتاج مثل تلك الأعمال المنتظرة.. وأقول في ذات السياق: 1-لا أشك لحظة في استحقاق أميمة الخميس (بروايتها الوارفة) وعبدالله بن بخيت (بروايته شارع العطايف) وعبده خال (بروايته ترمي بشرر) إلى تتويج (بوكر)، فجميعهم هجس بالرواية كثيرا واشتغل على تجلياتها عديدا، ولعل الفرحين بالجائزة لايكتفون بتلك المشاعر الهانئة ،لينهجوا نهجهم في الاخلاص لقيم العمل والابداع والتلقي. هؤلاء الثلاثة يستحقون حقا هذا التتويج لأن أعمالهم تقارب سقفًا مقنعًا -إلى حد كبير- للرواية الخالصة/الرواية الحلم في مشهدنا الثقافي. 2-انني عندما زعمت بتدني المستوى العام للرواية السعودية فقد كان لزعمي مايبرره كثيرا، فقد مرت أدواتي النقدية (الممكنة) وغير (الممكنة) على 35 عملا بارزا خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة من زمن هيجان الانتاج الذي سمي تجاوزا أعمال روائية، ولم تكن تلك الأعمال سوى وسائل دعائية لإيصال رسائل اجتماعية تبث مايضطرم داخل تلك الذوات الكاتبة من رفض لبعض شواهد الواقع المعاش، ورغبة عارمة في كشفه وفضحه. فلم يكن لتلك الأعمال قيمة في ذاتها ،بقدر ما اشتهر حضورها بما تكشفه من واقع ظل مغيبا كثيرا.. وبالتالي فإن جنس الرواية كان وسيلة لدى هؤلاء لتمرير بواعث احتجاجية ملحّة.. 3- هل كنا نحتاج الى 62 عاما لكي ننتج أفعالا حقيقية.. روائية مثلا -باستثناء سرديات رجاء عالم الروائية الخالصة- منذ أن كتب أحمد السباعي (فكرة) عام 1947م وإلى (الوارفة وشارع العطايف وترمي بشرر.)؟! وإذا كان على مقربة منا تودوروف من الأسبوع الماضي الذي كان يقول: «ان الأدب الحقيقي منذ عهد هوميروس في الزمن القديم والى الآن هو أكثر الوسائل الخالصة الصادقة للتعبير عن الذات الانسانية..» فلماذا لم نكن قادرين على التعبير عن ذواتنا.. لماذا لم تكن لدينا تلك الرغبة الانسانية الحضارية الطبيعية، على امتداد كل ذلك الزمن المديد! 4-فرحتنا الكبيرة ب(منتجاتنا) الثقافية تتحقق حقا في اللحظة التي يتوافر لدينا مجتمع قارئ يتجاوز حدود النخب الساكنة.. (بوكرنا) الذي لاينتهي عندما نرى الكتاب/الرواية انموذجا بين يدي كل فرد داخل بيته وفي متجره وطائرته وسائر فضاءاته التي يمارس فيها بشريته المستحقة. كم هم -من عشرين مليونا على هذه الأرض المباركة- الذين يعرفون (أميمة الخميس) و(عبدالله بن بخيت)؟ كم منهم قد قرأ (الوارفة) و(العطايف) و(ترمي بشرر) -من غير شر بإذن الله-؟ لاشك أن النتيجة كارثية مفجعة بائسة زهيدة بالتأكيد.. هل نحن في حاجة للمرة الأولى بعد المليون للعودة الى (أم الدواهي) في ثقافتنا.. التربية والتعليم؟ هل نعود نطنطن على وتر (أبو الدواهي) في ثقافتنا..الفكر الجمعي القبلي/الشعبي الذي لايعبأ بغير مفردات الفروسية والعراقة و(المشيخة) وإراقة الدماء البريئة من أجل الوفاء لاستحقاقات اجتماعية مزعومة ومناسبات من غير مناسبة (أصلا). 5-لازلت أقول -وأجري على الله- ان الروايات (البوكرية) السابقة إضافة إلى (شرق الوادي) لتركي الحمد و(الطين) لعبده خال وجل روايات المبدعة رجاء عالم إضافة الى أطياف روائية قوية تشع من (منهوبة) عواض العصيمي و(تقاطع) صلاح القرشي ورواية ليلى الجهني الأخيرة هي كل مايسجل لحضورنا في المشهد الروائي الحقيقي.. في انتظار تراكمات إبداعية أكثر صدقا ووفاء لقيم الثقافة والمعرفة الخلاقة المنتجة. 6-أتساءل -بكل ألم السؤال- لماذا حضر عبدالله بن بخيت هناك في (بوكر) وغاب هنا في (الرياض) عندما ألغت الاحتجاجات المألوفة لدينا ليلة قراءة روايته في نادي الرياض الأدبي، وهو الذي اشتغل كثيرا في روايته على توثيق حقبة مهمة من تاريخ عاصمتنا الحبيبة (الرياض)، إذ كان عمله شاهدا للتاريخ.. للجغرافيا.. للوطن.. للرواية.. للثقافة.. لقدرة انسان هذه الأرض على إنتاج شيء لايمر عابرا على الاطلاق. لم يكن ذنب بن بخيت أنه كان في روايته (أديبا) خالصا.. صادقا.. جريئا.. لم يكن ذنبه ان الواقع كان كما كان في (شارع العطايف.) لكي نخجل من قراءته وتتويجه قريبا في (الملز)!.. لماذا يظل حظ مبدعينا الحقيقيين على هذا النحو الجائر دائما! وقفة : تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال في هذه الأيام المباركة، وهو القادر -عز وجل- على أن يحفظ حجاج بيته الكريم من عبث العابثين..