مقال قرأته أخيرًا بعنوان: «ابتسم يا حمار»!! للكاتب عبدالله المغلوث، حول مشاهدته لسيدة سعودية تسحب ابنها من أذنه؛ حتّى تكاد تقطعها، وتقول له، وهو يهطل دموعًا: «قفْ، ولا تتحرّكْ حتى أنتهي من تصويرك»، وسط امتناع الطفل ليتلقى صفعةً قويةً من يد والده الضخمة؛ لإجباره على الإذعان لوالدته، وأخذ صورة تذكارية للطفل!! ثم ينتقل الكاتب للقطة أخرى لأب سعودي يأمر أبناءه بالابتسام أمام «فندق كمبينسكي مول الإمارات» في دبي لالتقاط صورة جماعية لهم، مخاطبًا أحدهم، وهو يهم بضغط زر الكاميرا «ابتسم يا حمار». وقد تداعت أمامي إثر قراءة المقال أكثر من صورة حدثت معي شخصيًّا مع أبنائي، وصور أخرى لمعارف وأصدقاء لا تختلف عن ما رسمه المقال لتلك العائلتين اللتين افترض الكاتب أنّهما سعوديتان، مع أن الواقعتين حدثتا في دول خليجية يرتدي سكانها نفس الملابس التي يرتديها السعوديون! ولكن لا بأس إذا ما أخذنا الظاهرة من حيث أبعادها، سواء كان القائم بها سعوديًّا أو قطريًّا، أو غير ذلك من البشر. الصورة الأولى، لرحلة إلى بعض الدول الأوروبية مع الزوجة والأبناء، وقد كانت من أحلى الرحلات التي جمعتنا. وكنا نستأجر في الدولة التي نزورها سيارة، ومعنا متاعنا، ثم ننطلق إلى حيث تقودنا أقدامنا، أو سيارتنا، وننزل في أي فندق يصادفنا. وأذكر في هذه المناسبة رغبة تولّدت لديّ لتصوير الأولاد، بينما هم يعانون من التعب والإرهاق، بعد عناء رحلة اليوم، فأجبرتهم على الوقوف لأخذ الصورة وسط نعاسهم، وامتناع بعضهم، وتملل البعض الآخر.. لكنني لا أذكر أنني أطلقتُ أيَّ كلماتٍ ممّا ذكره الكاتب في هذه المناسبة.. وليُصحح لي أبنائي هذا الادّعاء!! أمّا الصورة الثانية، فكانت لأحد الأقرباء، وقد كان يُصرُّ على إمتاع أبنائه بجولة في كارفان، كان قد اشتراه لغرض التجوال في الولاياتالأمريكية، فكان يجبرهم تقريبًا على الارتحال، ورؤية المزارع والأبقار، مخاطبهم بقولة أصبحت مشهورة بينهم، ويذكرونها حتّى الآن، وهي: «شوفوا البقر.. يا بقر»!! وعندما ينعس أحد منهم، أو يتحوّل عن مشاهدة المناظر الطبيعية، أثناء سير الكارفان، كان يصيح بهم بأعلى صوته: «أنا جايبكم علشان أمشيّكم وأبسطكم.. أبغاكم تنبسطوا يا بقر»!! فكان عليهم التظاهر بالفرحة، والحبور، والانبساط عنوة حتّى ولو كانوا في قمة الزهق!! إنّها كما يبدو «خصوصية الأخلاق» نمارسها في كل مكان.. ولو كره الكارهون!! نافذة صغيرة: [أي صورة تلك التي سنحظى بها وسنودعها ألبومنا وذاكرتنا. أي ابتسامة هذه التي ستولد من رحم القمع والشتائم. (...) علينا أن نزرع البسمة في منازلنا. ولا ندعو الحمير والثيران والأبقار لارتيادها؛ لأنها بساتين، وليست حظائر.] عبدالله المغلوث