من القضايا غير المنظورة في كثير من بلدان العالم المتقدم والمتأخر أكاديمياً قضية (السرقات العلمية والأدبية والفكرية)، فالعمل المؤسسي، أكاديمياً ورسمياً وشبه رسمي، يكاد يحوم حول جهود العلماء والأدباء والمفكرين ورصدها دون تحمل تبعات النتائج اللاحقة؛ وما تتعرض له أعمالهم من فاقد؛ إما بسرقات علمية أو نُقُول أو تبنٍّ لجهات استثمارية للجهود، فالمعول على جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية والمراكز البحثية أن يكون همها الأول قبل تلقي البحوث تهيئة البيئة الحافظة لها وتوثيقها بتسجيلها بأسماء أصحابها والعمل التكاملي بين مكتباتها بتبادل الرسائل العلمية والبحوث وتيسير عرض ملخصاتها لنكفل عدم الازدواجية في العمل وتكرار العناوين والحد من الجهود المبعثرة في أعمال قد تكون مسبوقة. الشكوى من السرقات العلمية قديمة قدم التأليف، وقد عانى منها أسلافنا ولم يستطيعوا القضاء عليها؛ لأن العمل في القديم كان فردياً ولم يكن منظماً ومنضبطاً كما هو اليوم في ظل الحكومات التي تبنت التعليم وجعلته تحت إشرافها، إلا أنه لم يكن مستشرياً ومستفحلاً بين العلماء فالسارق يكون يفتضح أمره ويشهر به ويعرفه العلماء ويشيرون إليه ويحيلون ما سرقه إلى مصادره ومراجعه. أما اليوم فباتساع الدول في العالم وانتشار الجامعات ومراكز البحوث ودور النشر وسعار اللهاث وراء المادة وجدنا بعض الباحثين الذين يسعون إلى تحقيق مطالبهم والحصول على الشهادة بأي ثمن وبأية وسيلة لا يتورع أبداً عن بذل شيء من أمانته وأمواله للانتهازيين الذين فرغوا أنفسهم لهذه الغاية فيرمي إليهم بما يريده وينتظر منهم العمل جاهزاً ليقدمه إلى الجهة التي كلفته بذلك وربما لا تكلف تلك الجهة نفسها عناء البحث في جدية العمل وخلوصه لصاحبه. ولعلي أجمل في عجالة لأنموذج عملي للسرقات التي عرفناها في عصرنا بما ذكره الأستاذ الدكتور أحمد محمد الخراط الذي عمل على مدى عقود في تحقيق كتاب الدر المصون للسمين الحلبي وطبعه أواخر القرن الماضي (1994م) في أحد عشر مجلداً، ليفاجأ باستلاب جهده كاملاً، فينشر في ملحق تراث صحيفة المدينة في عددها 11315 يوم الخميس 12/10/1414ه الموافق 24/3/1994م مقالاً تفصيلياً عن السطو موضحاً فيه الجهة التي أشرفت على السارقين وأسمائهم ومشرفيهم والأخطاء التي وقعوا فيها في عدم تصويب كثير من الأخطاء الطباعية الواقعة في الكتاب المسروق. وإن مثل هذا الخلل والتخاذل في التحري نعزوه إلى فقدان التكامل في الجهود البحثية والعلمية بين الجامعات، وعدم التنسيق بينها لتزويدها بالأعمال وتبادلها قبل نشرها ليكفل حفظها وحفظ حقوق أصحابها. ومن الجوانب المسكوت عنها -غالباً- ما يمارسه بعض الأكاديميين من سطو عملي علني أو خفي بطريقة ملتوية على جهود طلابهم حين يكلفونهم ببحوث قد تكون جزءاً من أعمالهم في البحث والتحقيق كالتخريج أو وضع الفهارس أو البحوث ابتداءً في مواضيع محددة، ليمنح الطالب درجةً على ما قدمه ثم يضيف ما قام به الطالب إلى عمله وهو لم يبذل فيه أي جهد، وقد وقفنا على شيء من ذلك وهو موثق بأدلته. وفي ظل الوسائل الإعلامية الحديثة ووسائل التواصل اتسعت أساليب السرقات علنياً رغم ما تبذله بعض الحكومات والأنظمة من وضع ضوابط لحفظ الحقوق الفكرية، وفي حال انكشاف السرقة تعاد الحقوق إلى أصحابها ويحاسب السارق وفقاً للنظام المقرر، ولكن ثمة أمر مهم جداً حول السرقات الكبرى على المستوى الأكاديمي وهو أن العقاب ليس صارماً بحق المستلِب، فلو سحبت شهادته العلمية وعوقب وظيفياً لارتدع غيره ولما أقدم الآخرون على مثل هذا العمل. وإن من أهم ما يساعد على السطو العلمي: - عدم مراقبة مراكز خدمات الطلاب والتصوير، فهم ينوءون بعبء أكبر في تلقي بحوث الطلاب وإعدادها بالسطو عن طريق محركات البحث على المؤلفات وجمع المادة من الكتب بطريقة عشوائية ليحصلوا على مقابل جهدهم والباقي لا يعنيهم. - تساهل الجهات العلمية في متابعة البحوث والتحقق منها وتوثيقها. - كثرة المواقع الإلكترونية التي تهيئ الكتب وتتيحها لكل من يريدها. - تقصير بعض القائمين على الدراسات العليا في تطبيق الشروط المنهجية والعلمية على ما يقدمه الطلاب من بحوث ودراسات إما من باب التهاون أو من باب الثقة المفرطة. ولمعالجة هذه الظاهرة لا بد من تضافر الجهود بين الجهات المعنية لوضع أنظمة ضابطة تكفل الحقوق وتعاقب المتطاولين بعقوبات صارمة أشرت إلى شيء منها. عضو محمع اللغة العربية في مكةالمكرمة، ونادي القصيم الأدبي والجمعية العلمية السعودية للأدب والبلاغة