حينما نقف حيال مؤلفات الكاتب الروائي الروسي فيودور دستويفسكي يطالعنا مشهد عجيب.. فأمامنا كاتب قد نلمح بعض الهنات في فنه وأسلوبه، وقد نخالفه في بعض نزعاته المذهبية، واتجاهاته الفكرية، ولكننا نشعر مع ذلك كله شعورًا قويًا بأن هذا الرجل لا يستطيع الامساك عن هذه الكتابة والتوقف عن تسجيل الخواطر التي تعاورته وتكاثرت عليه، والعواطف والأحاسيس التي جاشت بنفسه واستبدت به، وغلبته على أمره، والتجارب المرة التي التي مر بها وخاض غمارها، بل إنه ليخيل للإنسان بعد قراءته أن قوى مجهولة قد سيطرت على شخصيته ولم تترك له الخيار، فهو مرغم على الخلق الفني خشية أن يسحقه ضغطها. والظاهر انه كان مقدرًا له من أول نشأته وطالعة أمره أن يفتح عينيه أول ما يفتحهما على مناظر البؤس والشقاء والألم.. فقد ولد في يوم 11 نوفمبر عام 1821 في مستشفى للفقراء في موسكو كان يعمل فيه أبوه طبيبًا جراحًا، وكان الكتاب المقدس وتاريخ روسيا الذي ألفه المؤرخ الروسي نيكولاي كارامزين هما أول ما قرأ من الكتب، وكان وهو طفل يقضي فترة العطلة الصيفية في كوخ صغير على مقربة من مدينة تولا الواقعة على نهر الدون، وقد أتاح له ذلك فرصة لقاء المزارعين الروس الفقراء ومخالطتهم والتحدث إليهم، وهذه الحقيقة هامة في تتبع نمو شخصيته وتطور تفكيره، فقد ظل طوال حياته شديد الحدب على هؤلاء القوم البسطاء. وقد كتب أولى رواياته، وهي رواية المساكين وظهرت عام 1846 واعجب بها الناقد الروسي الشاعر نكراسوف، وشاركه في الإعجاب بها بلنسكي زعيم النقاد الروس في عصره، ثم اتبعها برواية بيت الموتى، والمستذلون والمهانون، وروايته العظيمة «الجريمة والعقاب» التي خلدت اسمه في عالم الأدب. توفي الأديب الروسي الكبير فيودور دستويفسكي في يوم 9 فبراير عام 1881م.