القدوات هم نماذج من البشر نتطلّع إليهم بإعجاب، ونسير على نهجهم بغرض الاكتساب، اكتساب خُلق ومعرفة ومهارة، ونحن مفطورون على حب الاقتداء بالآخرين، وإذا أردنا أن نُفرّق بين القدوات والنكِرات، فلننظر إلى موافقة الفعل للقول والقيم، فقد قيل: «عملُ رجلٍ في ألف رجل خيرٌ من قول ألف رجلٍ في رجل».. وقال الإمام (الشافعي) رحمه الله: «من وعظ أخاه بفعله كان هادياً». كل إنسان شاء أم أبى، علِم أم لم يعلم، لديه قدوات نافعة تدفعه للخير دفعاً، ونكرات ضائعة تسوقه للشر سوقاً، ونحن اليوم نعيش تحت فضاء عالمي مفتوح على مصراعيه، فنجد من يتأثر ويقتدي بشخصيات شرقية، كالفرق الكورية مثلاً، فيتابعهم ويتّبعهم في كل ما يفعلون، مما هو مناسب وغير مناسب، ونجد آخرين بالغرب مفتونين، يلاحقون كل ما تبثه استديوهات هوليوود، دون نقد أو تفريق بين الخطأ والخطيئة، أو إدراك لما هو وهم أو حقيقة، فيحدث التأثير تدريجياً، ويبقى الأثر عميقاً. يقتدي العاقل بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحابة الكرام رضي الله عنهم، والصالحين والعلماء رحمهم الله، في أمور الدين والقيم والمبادئ، أما في أمور الدنيا النافعة المفيدة فليقتدِ بمن شاء بما لا يضر دينه وأخلاقه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟). في الماضي كنا نتوقع أن يأتينا الخطر والضرر من الخارج فقط، حتى وجدنا هذه الأيام في مجتمعاتنا من يفوقونهم ضررًا وخطراً، وما هم إلا استنساخ لشرورهم ولكنهم على هيئاتنا وأشكالنا، (من مأمنه يؤتى الحذِر)، فهؤلاء النكِرات كأنهم سُفراء لكل تشوّه فكري، وانحلال أخلاقي، وسقوط قيمي، يبثون سمومهم عبر برامج التواصل الاجتماعي، وهدفهم الأهم، الحصول على المال بأي ثمن، مستخدمين في ذلك أنواع الحيل النفسية، والمُغالطات المنطقية، معتمدين على جهل متابعيهم، وبساطة عقولهم. الاقتداء بالعظماء نجاح، والتشبّه بالكرام فلاح، وفعل الاقتداء ليس له سن معين ينتهي عنده، ولا مكانة علمية يقف بعدها، وإنما هي منارات، متى ما وصل السابح لإحداها تطلّع لما بعدها، فلا نجاة من الغرق إلا بمواصلة السباحة في الاتجاه الصحيح نحو بر الأمان، ولا أمان إلا بالإيمان بالله عز وجل، واتّباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.