ذكرت في مقال سابق أن إحدى القارئات سألتني عن علاقتي بالقراءة.. فقررت أن تكون الإجابة كبسولات مختصرة على شكل يوميات.. تأتي على حلقات.. بمعنى آخر سأجيب عن القراءة وأحوالها كلما تيسرت الإجابة.. وأجوبة القراءة -كما تعلمون- مثل أسئلتها لا تنتهي . لذلك هاكم « الحلقة السابعة « من اليوميات: الأحد: الإنسان لا يحبّ التوحُّد مع نفسه أو العزلة، لأنه يشعر بالوحشة، وفي الطرف الآخر هو لا يحب الانغماس في ثنايا المجتمع ومخالطة الناس، لذلك كانت القراءة هي الحلّ، وفي ذلك يقول الفيلسوف سي. إس. لويس: (نقرأ لنعرف أنّنا لسنا لوحدنا). الإثنين: عندما تفحط فأنت تزعج الآخرين، وعندما تبني مصنعاً فأنت تلوِّث البيئة، وعندما تعمل جزّاراً فأنت تذبح البهائم، وعندما تكون مصارعاً فأنت تتلذّذ بسحق الآخرين، ولكن عندما تقرأ فأنت لا تؤذي أحداً، وقد لمس هذا المعنى فولتير عندما قال: (دعونا نقرأ ونرقص فهذه هي التسلية التي لن تتسبب بأي ضرر للعالم). الثلاثاء: بالنسبة لي أعتبر شيخنا عباس محمود العقاد من عمالقة البشر في القراءة والكتابة، لأنه تزوّج القراءة وأنجب الكتابة، وتعبيره عن القراءة يُعتبر من أشهر التعابير التي يحفظها الناس، لذلك أدعوكم لتدبُّر عبارته التي يقول فيها: (القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب). الأربعاء: ذكريات الطفولة راسخة في الذاكرة، وملامح الكتاب الذي أحببناه لا يمكن أن تُمحى من ذواتنا، لذلك دائماً يعقد الناس المقارنات والموازنات بين ذكريات الطفولة، وصفحات الكتاب الذي قرأناه: أيهما أقوى رسوخاً وتأثيراً؟، هذا السؤال أجاب عنه الفيلسوف مارسيل بروست حين قال: (ربما لا يوجد أيام عشناها في طفولتنا بكل ما للكلمة من معنى كتلك التي عشناها مع كتابنا المفضل). الخميس: كلٌّ منا يريد أن يكون ذكياً.. حسناً، إن الأمر بسيط، فقط عليك أن تقرأ عشرة كتب.. ولكن ما هي تلك الكتب العشرة؟، هنا سأكون «نذلاً» معكم ولن أجيب، بل سأحيلكم إلى أحد الفلاسفة، حيث قال: (لتصبح ذكياً تحتاج لقراءة عشرة كتب فقط؛ لكن للعثور على تلك العشرة، فأنت بحاجة لقراءة آلاف الكتب). الجمعة: الناس في الغالب تعتمد على الآخرين، وأحياناً تعتمد على المال، وأحياناً تعتمد على الشهادات، أما أنا فمع مرور الوقت تيقّنتُ أن الاعتماد الحقيقي يجب أن يكون على الله ثم على نفسي وعلى كُتبي، ولقد صدق من قال: (يمكن الاعتماد على الكتب. فهي تبقى صامتة عندما يكون ذلك ضروريًا وتتحدث إليك وتكشف العالم كله عند الحاجة). السبت: تعلُّم القراءة –في نظري- هو كمن يملك مفاتيح لكنوز، وكل مفتاح يدخله إلى غرفة محشوة بالمجوهرات والذهب، والقراءة كذلك حين تتعلّمها تصبح مفاتيح لفتح منافذ في رأسك، ولقد صدق الروائي الكبير فيكتور هيجو حين قال: (أن تتعلم القراءة كأن تتعلم إشعال النار، فكل كلمة ستكون هي شرارة).