أكاد أسمعه!، ولولا أنه السبب لاعتذرت له، ولكل من رفعوا شعار «أنا أو الفوضى» من الذين مهدوا لها وهم يتصورون أنهم يثبتون دعائم الاستقرار!. في كل مرة تعم الفوضى في الصومال، أعود الى شريط التسجيل، وأنا أتذكر وجهه ونبرة صوته وزمجرته وهو يردد «افهم! افهم! الآن لو رحلت استجابة لهم، سيختلفون فيما بينهم ويتصارعون على كرسي السلطة»!.. «الحوار مع الرئيس الراحل محمد سياد بري منشور في «المسلمون» وفي «الشرق الأوسط» وفي كتاب «أفضل الأعمال الصحفية» الذي عثرت عليه بالأمس في مكتبة «الزمان» بالرياض. وبالأمس كما أول أمس، وكما اليوم، عمّت الفوضى مقديشو، إثر تبادل لإطلاق النار بين قوات الأمن ومسلّحين موالين للمعارضة، سقط خلاله العديد من القتلى والجرحى! وتبعاً لذلك أغلقت السلطات الصومالية شوارع العاصمة تزامنًا مع انتشار أمني كثيف!. لا أزعم أنني أعرف الرئيس الصومالي الحالي فرماجو شخصياً، لكنني أعرف معظم رموز المعارضة الصومالية، الشباب منهم كالرئيس السابق شريف أحمد، والكبار مثل الرئيس الأسبق حسن شيخ محمود. ومع اتفاقي مع الرأي القائل بأنه كان على الرئيس فرماجو ترك مقعد الرئاسة يوم 8 فبراير الماضي وفقاً للدستور، فإن معرفتي بعدم التوصل لصيغة وشكل وطبيعة وكيفية الانتخابات، فضلاً عن معرفتي الشخصية ببعض المرشحين يجعلني أعبر عن خوفي من التسابق ليس على طريقة لعبة الكراسي الموسيقية، وإنما على طريقة «فرح العمدة»! وفي فرح العمدة يقبل الأهالي للمجاملة بتقديم الهدايا مكرهين في معظم الأحوال، فضلاً عن إطلاق الرصاص ابتهاجاً مصطنعاً في كل اتجاه! ومن ثم فبمجرد مغادرة فرماجو، ومع احترامي لعراقة الصومال، قد تشهد مقديشيو وبقية المدن انهماراً للرصاص الحي ليس ابتهاجاً وانما تعبيراً عن قرب الوصول لكرسي الرئاسة!. واذا كان فرماجو والذين معه، من زعماء الولايات الفيدرالية قد فشلوا في خلافاتهم بشأن كيفية إجراء الانتخابات، بعدما تم التخلي عن آمال إجراء أول انتخابات منذ العام 1969 بالاقتراع المباشر، فإن قادة المعارضة فشلوا حتى الآن في الاتفاق على خريطة انتقال سلمي مقنعة للسلطة، تمهيداً لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة (مع خالص الاحترام أو الاعتذار للحرية والنزاهة والشفافية). قبل أيام طالب مجلس اتحاد مرشحي الرئاسة الصومالية، المجتمع الدولي بالتدخل لإيجاد لجان انتخابية حيادية مستقلة ومقنعة لكل الأطراف المشاركة والمعنية بالانتخابات!، هذا ما حدث ويحدث قبل الانتخابات، لكن وفي أثناء ذلك، بث المرشح عبد الرحمن عبد الشكور وَرْسمي، مقطع فيديو له وهو يقود حشداً من المتظاهرين في أحد الشوارع، وظهر الرئيس السابق شيخ شريف في فيديو مماثل، وقال مؤيدو المرشح عبد القادر شيخ علي إبراهيم بغدادي إنه الأجدر، شأنهم في ذلك شأن المرشحين الآخرين من أمثال عبدالكريم حسين غوليد، وعبدالقادر عسبلي، وحسين عبدي حلني. ومهما يكن من أمر، فإن طمأنة المرشح الرئاسي، وزير الإعلام السابق طاهر محمود غيلي للشعب، بأن المرشحين جميعا «تسامحوا لطي صفحة الخلافات بينهم» لا تكفي، ومن ثم فالمطلوب، أن يتوحد الجميع بالفعل .. الرئيس فرماجو ومن معه، والمرشحون للرئاسة، إن صدقت النية في السعي للخروج بالصومال من أزمته. أعرف بطبيعة الحال دعايات الحملات الرئاسية، وأعرف أن الانتخابات التي أفضت الى فرماجو تمت بسلام، كما أعرف وأحترم إمكانات ومؤهلات المرشحين، لكني أعرف أيضاً أن بذور الفوضى المتوارثة، والتي يتم ريها كل فترة بأيادٍ داخلية وأخرى خارجية، قد تنذر بفرح العمدة!، والعمدة هذه المرة ليس فرماجو، ولا شريف، ولا بغدادي، ولا عبد الشكور، ولا غيلي، وإنما هو الاغتيال نفسه.. اغتيال الصومال!.