استراتيجياً، سياسياً، عربياً، حققت قناة «العربية» ضربة نوعية وهي تلتقي رغد صدام حسين!، لكنني هنا سأبتعد قدر المستطاع عن تلك المحاور، وأتحدث من زاوية إعلامية محضة عن اللقاء الذي تم تقسيمه إلى عدة حلقات، شاهدت خمساً منها حتى الآن. وقبل أن أشير الى نجاح رغد الى حد كبير في إقناع المشاهد بطرحها الدقيق والمتوازن، ومراعاتها لكل كلمة بل لكل حرف، لا بدَّ من الإشارة إلى نجاح المذيع صهيب شراير، حتى وإن كانت الأسئلة معدة مسبقاً عن طريق فريق الإعداد أو أي فريق آخر. وحسناً فعلت القناة وهي تختار مذيعاً جزائري الجنسية، فضلاً عن عمره الذي لم يتجاوز 36 عاماً، أي أنه كان طفلاً صغيراً في أوج حكم صدام، وكان صبياً عندما تم إعدامه!، ومن ثم جاءت تعبيرات وجهه طبيعية في كل منعطفات الحوار، ولم يتحرج في طرح أي سؤال على الضيفة المهمة. أما الضيفة، فجاءت إجاباتها مسؤولة بالفعل عن سيرة رئيس سابق كان ملء السمع والبصر، لدولة كانت ومازالت وستظل حصناً من حصون العرب. وبعيداً عن اختيار المذيع، نتحدث عن سبب اختيار أسرة صدام لرغد كمتحدثة باسمها، وهو في الحقيقة سبب مقنع تماماً، خاصة وغالبية المشاهدين جلسوا وكأنهم يشاهدون ظلاً لصدام حسين، قبل أن تقول ابنته إنها تحمل الكثير والكثير من جيناته!. قال أحدهم منفعلاً باللقاء.. الأسئلة والإجابات: لقد كان لابد من أن يقتلوا «الولدين» عدي وقصي، إذا كانت البنت تتحدث بهذه الطلاقة والثبات والثقة والانضباط!. ورغم كسر حدة الأسئلة الخاصة بسقوط بغداد وحصار العراق، والقبض على صدام، ثم محاكمته، ثم إعدامه بهذه الطريقة الانتقامية الدموية البشعة، بحديث عن الحب والغيرة والزواج والطلاق، وغيرها من تفاصيل في حياة رغد زوجة حسين كامل، فقد زادت الحوار سخونة، خاصة وهي تحكي قصة هروب زوجها، ثم انشقاقه، ثم عودته، ثم إعدامه بقرار عشائري!. هكذا مضى الحوار مع رغد صدام حسين موضوعياً وجاداً.. أسئلة نوعية، وإجابات لبقة، ومرور سهل وهادئ حال دون السقوط في جدل احتلال الكويت.. خاصة وهي تؤكد حقيقة إرسالها برقية تعزية في وفاة الشيخ صباح الأحمد!، «الإخوة يختلفون بل ويتقاتلون لكنهم في البداية وفي النهاية إخوة»! لقد كان من الواضح أن حلقات الحوار سجلت كلها في يوم واحد، فالمقدمة ثابتة، فضلاً عن بدلة المذيع الأنيقة، وجاكت رغد الوقور، ومع ذلك مضت الحلقات أشبه بفيلم تسجيلي، استخدم فيه المخرج صوراً مناسبة لبغداد، وللحرب، وللحصار، ولصدام في كل مراحل حكمه وحتى نهايته.. إنها النهاية التي وصفتها رغد تارة بالجميلة وأخرى بالكريمة.. نتفاخر بهذه الآخرة! هكذا تصف الابنة لحظة الإعدام التاريخية لصدام حسين، حيث تلاوة الشهادتين، وحيث غطى قاتلوه وجوههم، فيما أصرَّ هو على كشف وجهه!.