تعتبر المناطق الحضريّة أهم مصادر الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي حيث تمثل حوالي 70% من الناتج الإجمالي المحلّي حول العالم، فأكثر من نصف سكان العالم اليوم أي 3.9 مليار نسمة، يعيشون في المدن، وهي زيادة بنسبة خمسة أضعاف مقارنة بعدد السكان عام 1950. وتشير الدراسات أن عدد سكان المناطق الحضريّة سيتزايد بمعدّل غير مسبوق، ومن المتوقّع أن يعيش كل شخصين من أصل ثلاثة أشخاص في المدن بحلول عام 2050. هذا النموّ الحضري السريع يشكل ضغط على البيئة الطبيعيّة والصحة العامة، ويطرح تحديات كبيرة، وفرصًا كبيرة فيما يتعلق بمعالجة المشاكل البيئية بسبب الآثار السلبية للأنشطة الحضرية. استجابة لذلك تحولت سياسات التخطيط الحضري إلى التركيز المستدام وبدأت المملكة في تطوير استراتيجيات جديدة لتحسين جودة الحياة والبيئية الحضرية.. فأصبح التخطيط الحضري مطلبًا وظيفيًا في إنشاء مدن المستقبل، بتوفير الاحتياجات البشرية واستخدام الموارد الطبيعية بأكثر الطرق فعالية واستدامة، معتمداً على أسلوب جوهري لتحقيق الاستخدام المتوازن للموارد البيئية. ومن خلال خبراتي ونظرتي لاحتياجات التطوير العقاري أجد أن أهم أسس النجاح لكل المشروعات فهو التخطيط المستدام لها وفق رؤية مستقبلية تراعي ما هو متاح من موارد وإمكانيات حالية ومستقبلية. وسأتحدث في هذا المقال عن توجهات كل من التنمية المستدامة والتخطيط العمراني كونها تدعم بعضهما البعض بشكل مشترك وكلاهما يعبر عن توجهات رؤية المملكة 2030. فالتنمية المستدامة تلبي احتياجات الأجيال الحالية بدون المساومة على إمكانيات الأجيال القادمة في تلبية حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. والتخطيط المستدام يحدد شكل التنمية المستقبلية ويعرف الاحتياجات ويعمل على تحقيقها ويحدد مدى قدرة المجتمعات على استمرارية الإنتاج وعلى إعادة إحياء نفسها. وبذلك يكون التخطيط العمراني المستدام هو ضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة في جميع المجالات ضمن أبعادها الثلاثة، بهدف خلق مجتمع سليم بيئيا، منتج اقتصاديًا ومنصف وعادل اجتماعيًا. ونجد أن التخطيط العمراني الحديث يوجه السياسات التنموية الفاعلة إلى الاهتمام البيئي، ويعطي أشكالا عملية لأفكار التنمية المستدامة من خلال مراعاة البعد الاجتماعي والتوافق عالميًا مع الأزمات البيئية وتاثيرها في المدن. وحتى نصل إلى التخطيط العمراني المستدام يجب أن نراعي اهتمامات المخططين والمصممين العمرانيين في تشكيل الفراغ العمراني والأنشطة المحددة للمناطق العمرانية، والتكوينات الحضرية، والبعد الاقتصادي واحترام التقاليد الاجتماعية والبعد الإنساني وكذلك الحفاظ على الموارد البيئية. ولذلك يجب علينا كمطورين عقاريين أن نملك رؤية متكاملة لاحتياجات التطوير العقاري فهي التحدي الحقيقي له، ويحكمه إيجاد توازن في البيئة، الاقتصاد والقيم الاجتماعية حتى يلبي احتياجات العمل وجودة الحياة.