ما سأتناوله في هذا المقال هو ما أسميته فن الإنصات، فمهارة الإنصات باتت معطلة في وقتنا، حيث الجميع يسعى بأن يمتلك صوتًا مسموعًا يعلو ولا يعلى عليه، فالإنصات مطلب أساسي في الحوارات، ولا تقل أهميته عن الحديث فقط، فبالإنصات وتحليل بعض الكلمات يتم فك الشفرات المعقدة، والوصول لعقل وفهم الطرف الآخر وما يرمي إليه. وعلى سبيل المثال، فمهارة الاستماع بين أفراد الأسرة مهمة لفهم على الأقل الاحتياجات النفسية التي تتمحور في سلوكيات كل فرد، وفي داخل نطاق العمل ومع العاملين بمثابة نافذة لطرد الطاقة السلبية، والتعبير عن ما يزعج العاملين، وهذا ما ينعكس أثره على إنتاجيتهم، فالشعور بوجود شخص ينصت لكل كلمة وحرف، ويستقبل تيار الكلمات المندفع من حنجرته الممزقة من تدافع الكلمات المحشورة والتي أعياها الصمت، إنما يعطي شعورًا بالطمأنينة والأمان. لكن هناك فئة من الناس بطبيعتهم يجدون صعوبة في الحديث والإفصاح عما يؤلمهم، أو يغضبهم للمقربين منهم في اعتقادهم أنهم قد يجلبون الألم لمن يستمع لهم ويؤذون نفسهم بلوم وتأنيب الضمير إن بدر منهم ذلك الأمر، أو يكون هناك سبب آخر وهو الخوف من الانتقادات، والإساءة فيما بعد، والبعض الآخر يرفض أن يكون في موضع شفقة ولو للحظة، فيلزمون الصمت إلى وصولهم لمرحلة الانفجار في أي لحظة، أو يستشيرون وتأتيهم المشورة بأنه يجب حجز موعد له عند أقرب عيادة لطبيب نفسي، فهو الشخص المنصت المناسب وغير المعروف للمتكلم وستنتهي علاقته به مجرد أن ينتهي من جلسة الاستماع، ويستمع للإرشادات وينصرف من باب العيادة، فيجب علينا دائمًا تذكيرهم بأننا بجانبهم منصتون ومهتمون حتى لصمتهم لكي لا نوصلهم إلى أبواب تلك العيادات. أخيراً عليكم أن تنصتوا لآبائكم وأمهاتكم لتنعموا بالرضا، وكذلك لأبنائكم وبناتكم لتنالوا برهم، ولزوجاتكم وأزواجكم لتكسبوا مودتهم، واستمعوا لأصدقائكم لتفوزوا بمحبتهم.