ما يحدث من شركة المياه الوطنية مع بعض عملائها أمر يدعو للحيرة؛ فالأخطاء في قراءة عدادات المياه مسلسل لا نهاية له، والأدهى أن هذه الأخطاء من العيار الثقيل الذي يتطلب دفع العميل مبالغ مالية بعشرات الآلاف، نتيجةَ الأرقام الفلكية المبنية على كميات المياه المستهلَكة من قِبل العميل (بحسب قراءة الموظف). الحكايات العجيبة بين بعض العملاء وشركة المياه أكبر من أن يُحاط بها؛ إذ تبدأ باستقبال العميل رسالة نصية من الشركة تفيد بصدور فاتورته للحساب رقم (...) بمبلغ وقدره (...)، ولا تتوقف الحكاية عند عتبة الرسالة، بل تنشأ حكاية جديدة أبطالها ثلاثة وهم (الأول رقم الاستهلاك للمياه المسجل في الفاتورة، والثاني رقم الاستهلاك الفعلي المسجل على شاشة عداد المياه، وثالث الأثافي المبلغ المالي المسجل في الفاتورة). وبمقارنة خاطفة بين رقم الاستهلاك الفعلي المسجل على شاشة عداد المياه، ورقم الاستهلاك المسجل في الفاتورة، يتضح الفارق الكبير بين الرقمَين، وعليه تتضح عدم صحة المبلغ المطالب به العميل. هنا يذهب العميل إلى مقر الشركة أو أحد فروعها وقد حشد معه عددًا من الصور الفوتوغرافية التي التقطها للعداد تُثبت رقم العداد وكمية الاستهلاك الفعلية، ثم يطرحها أمام الموظف طالبًا منه المقارنة بين الأرقام الحقيقية في الصور الفوتوغرافية والأرقام المتورمة في الفاتورة، فيأبى الموظف أن ينصاع للحقيقة، ويطالب العميل بالدفع. أقصى ما يمكن أن توفره الشركة من تسهيلات للعميل هو (رفع طلب اعتراض على الفاتورة)، وهنا يدخل في سلسلة من الإجراءات قد تمتد سنة وأكثر -وهذا حصل معي- ويتخلل ذلك استبدال الشركة عدادًا جديدًا بالعداد القديم بحجة المقارنة بين كمية الاستهلاك في العدادين على الرغم من أن القراءة في العداد القديم واضحة ولا تصل للرقم المدون في الفاتورة. وبعد سلسلة طويلة من المرافعات والمراجعات تتضح الحقيقة ويتضح للشركة أن الرقم المسجل في العداد القديم هو الرقم الصحيح، وأن الرقم المسجل في الفاتورة كان (زلَّة إصبع) من الموظف (البريء). جانب آخر في الحكاية وهو أن العميل عندما يطلب عدادًا جديدًا، قد يفاجأ بصدور الفاتورة بمبلغ (طيب)، مع أن العداد لا يزال في مستودعات الشركة، وأحيانًا يكون العداد قد أخذ مكانه على خزان المنزل لكن المياه لم تدب بعد في مواسيره، ومع هذا تصدر الفاتورة بمبلغ (محترم). نؤمن بحدوث الأخطاء (غير المقصودة)، لكن -والحال هذه- فنحن أمام احتمالات؛ فإما أن يكون الموظف قد دوَّن رقم الاستهلال وهو جالس في مكتبه مشغولاً بأمور أخرى دون الوقوف على العداد، وإما أن يكون قد وقف على العداد وقرأ رقم الاستهلاك قراءة خاطئة، وإما أن يكون العداد فيه خلل أدَّى إلى تسارع الأرقام وتورمها بما لا يشي بالاستهلاك الفعلي. وعليه فمدار الحديث عن الحالتَين الأولى والثانية اللتين لا تزالان في ازدياد مطرد، ولهما كل يوم ضحايا كثر، ولذا وبعد سلسلة المرافعات يتضح للشركة أن أرقام الاستهلاك في الفاتورة مضلِّلة، وهو ما يجعلها تنزل عند رقم صغير يقبل به العميل. وهنا يأتي السؤال العريض: أين دور الشركة من محاسبة الموظفِين الذين يدونون هذه الأرقام الفلكية بل (ويكررون فعلتهم)؟ وكيف (ترضى) الشركة بتكرار موظفيها لهذه الممارسات مع العملاء أمام عينيها؟، أما حكاية صدور الفاتورة بمبلغ -والعداد لم يشتغل بعد- فتلك حكاية أخرى!.