الفكرة.. تلك القوة الدائبة في عقل الإنسان، المُرادفة للتأمّل، والتي تتغذى على عوامل بيئية وخبراتٍ شخصية وثقافاتٍ موروثة ومشاعر نفسية، لمحاولة فهم شيء ما، أو حدث معيّن، أو قيمة حياتية، والتأثر بها والتأثير فيها، وهي خاصية مُقتصرة على الإنسان، وينتج عنها الرؤية، والحكم، والاستقراء، والتحليل، والاستنتاج، والاقتناع، والسُّلوك، والتأثير، والتنفيذ، كما ترتبط بالانفعالات السّيئة التي تجلب الأحزان والتأويلات المضطربة، وتعيق الإثراء المعنوي، وبالانفعالات الجيّدة التي تجلب الفرح والسّلام والتأويلات الإيجابية، وتشجّع النمو النفسي. وقد يقضي الفرد جلّ حياته مطمئنًا أنه يدافع عن أفكاره الشّخصية، في حين أنه يُدافع عن أفكار أُناسٍ آخرين، زرعوها في عقله الباطن بوسائل لا شعورية، فالاقتناع ببعض الأفكار، ناتجٌ عن الإيحاء الاجتماعي والهوسِ الجماعي، والخوف الدفين من مناقشتها أو نقدِها أو التشكيكِ فيها.. يقول المؤلف (إيكهارت تول): «لا يوجد شيء تخاف منه في هذه اللحظة، ولكن الخوف يوجد في أفكارك فقط». إنّ نقد الأفكار الشّخصية والسّائدة، ضرورةٌ لتحرير العقل من الأوهام والخُرافات والأكاذيب، واقترابه من الحقيقة، وفي الواقع، يحتاجُ تغيير الأفكار أو دحضها وتطويرها، إلى مرور أجيال، ولابدّ من تغيّر الظروف الاقتصاديةِ والثقافية والاجتماعيةِ والتربوية التي تحكمها.. ومن علامات التحرّر الفكري، لجوء الشّخص للتأمّل مقرونًا بالاطلاع الحُر، حتى يصل أحيانًا إلى مرحلة السُّخرية من أفكاره السّابقة، إضافة إلى التخلّص من الرّغبة الملحّة في إقناع الآخرين بها أو تبريرها لهم، عندها يتم التخلّص من التعلّق المرَضي بأحكام الناس وظنونهم.. يقول الكاتب والممثل (جورج كارلين): «أنا لا أُشارك أفكاري لأني أُريد تغيير عقول من لا يُفكّرون مثلي، أنا أشارك أفكاري لكي يعلم من يُفكّرون مثلي أنهم ليسوا وحيدين». ولعلّ من أصعب المراحل النفسية الحياتية، مرحلةُ اضطرار الشخص إلى مُراجعة أفكاره وقناعاته، وبعض قيمه ومبادئه، وهي ضرورة اجتماعية حضارية، لابد من تهيئة العقول لاستقبالها بدل أن تمرضَ وتشيخ، ثم تموت غير مأسوفٍ عليها.. لكن من الضروري أيضًا عدم أخذ كثير من الأفكار بمبدأ التسليم والقَداسة، فالفيلسوف والمفكّر وعالم الرياضيات والمنطق البريطاني (برتراند راسل)، كان مُحقًا في التعامل مع أفكارِه وفلسفته ببساطة وتواضعٍ علمي حين قال: «لستُ مستعدًا للموتِ في سبيل أفكاري.. فقد أكون مُخطئا!».