بالسرعة المطلوبة، تحركت السلطات المسؤولة واتخذت القرار الصارم بإعادة تشديد إجراءات الحظر بمحافظة جدة، مع مراقبة الوضع في الرياض، تمهيدًا لاتخاذ الخطوات المطلوبة التي تضمن استمرار التقدم الذي تم تحقيقه خلال الفترة الماضية لمواجهة تهديد خطر فيروس كورونا (كوفيد – 19)، وهي خطوة إيجابية إضافية تحسب لقيادة هذه البلاد التي أعلنت منذ اللحظات الأولى لظهور الفيروس أن صحة الإنسان -مواطنًا ومقيمًا- هي الهدف الأول الذي ينبغي أن يمنح الأولوية على ما سواه من مصالح اقتصادية وتجارية، وهو ما يؤكد من جديد بعد نظر القيادة الرشيدة والحكمة الكبيرة التي تتحلى بها. بدءًا فإن من الواجب القول: إن الاستهتار الذي قابل به البعض هذه الجائحة منذ بداياتها، وما أظهروه من تجاهل للتعليمات التي أصدرتها الأجهزة الرسمية، بضرورة اتخاذ التدابير والاحترازات الضرورية التي تضمن القضاء المبرم على هذا التهديد، هو ظاهرة سالبة تنم عن سوء تقدير للأوضاع، وعدم التعامل الإيجابي مع ما بذلته الدولة من جهود، وما أنفقته من أموال طائلة لأجل ضمان السلامة والصحة العامة، لذلك كان من المتوقع أن يتعاون الجميع لتنفيذ ما تم إعلانه من محاذير، وأن يتمسكوا بالاستمرار في سياسة التباعد الاجتماعي واتخاذ أقصى درجات الحذر، بدلا عما شاهدناه من مظاهر الفوضى المتمثلة في التجمعات والتقارب بين الأشخاص، وكأن المرض قد انتهى إلى غير رجعة. ما حدث كان يمكن أن يؤدي إلى انتكاسة كبيرة في الجهود المبذولة -لا قدر الله- لولا أن الأجهزة المختصة تحركت بالسرعة المطلوبة وقررت إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، وهو ما يعني الرجوع خطوات إلى الوراء، وهو ما كان يمكن تجنبه بالقليل من الحكمة، وإظهار قدر أكبر من الإحساس بالمسؤولية، والنظر بعين التقدير لما توفره القيادة من إمكانات، وما يقدمه أفراد الجيش الأبيض من أطباء وممرضين من تضحيات وصلت حد المخاطرة بحياتهم، وما يبذله رجال الأمن من جهود وهم يقضون الساعات والأيام في استعداد دائم لأجل المحافظة على حياتنا وضمان سلامة عائلاتنا. علينا العدول فورًا عن ذلك التهور، وإظهار القدر الكافي من الوعي الذي راهنت عليه القيادة السياسية، وأكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في كل خطاباته التي وجهها للأمة خلال الأزمة، حيث شدد على أن الوعي الذي يمتاز به الشعب السعودي كفيل بدفع الجهود التي تبذلها الأجهزة المختصة إلى الأمام، وإنجاح الخطط الرامية للقضاء على المرض.. ومع قناعتي بأن أغلبية أفراد المجتمع تجاوبوا مع الجهود الحكومية، والتزموا بما تم الاتفاق عليه من احترازات، إلا أن ما فعلته القلة التي استهترت بالأمر يمكن أن يضيع كل الجهود هباء منثورا، وهو ما لا ينبغي السماح به تحت أي ظرف من الظروف. ما علينا القيام به ليس صعبا أو مستحيلا، فلم يطلب منا سوى التزام منازلنا في الوقت الذي التزمت فيه السلطات بتوفير كافة الاحتياجات، فجميعنا أمام مصير مشترك، وإذا أصيب شخص واحد بهذا الوباء فإنه يمكن أن يشكل خطرًا على المجتمع بأكمله، لذلك فإن أسلوب الشدة والحزم مع المتجاوزين، وإيقاع العقاب الرادع يبقى خيارًا مطروحًا يمكن اللجوء إليه، فمن يريد المخاطرة والسباحة عكس التيار هو شخص غير سوي يمثل تهديدًا لغيره، لذلك لابد من الأخذ على يده وكف شره. لست من دعاة التهويل أو المبالغة، لكن الواجب الوطني والأخلاقي يستوجب الالتزام بما أعلنته الجهات المختصة من توجيهات، فالتعامل مع مثل هذه الأزمة والسلوكيات التي ينبغي اتباعها، والتصرفات التي يجب تفاديها هي قواعد لا يحددها شخص بمفرده ولا تخضع للهوى والرغبات، إنما تحددها السلطات الرسمية والصحية، وعلى أفراد المجتمع الالتزام الحرفي بها، وفي مقدمتها البقاء في المنازل وعدم مغادرتها إلا في حالات الضرورة، وتجنب ارتياد الأماكن العامة، وتفادي التجمعات، والمحافظة على النظافة، إلى غير ذلك مما تم إعلانه أكثر من مرة. الآن نحن أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق، فالأزمات هي المعيار الحقيقي لكشف شخصية الإنسان، ومدى التزامه بمسؤوليته تجاه مجتمعه ووطنه، فعلينا جميعًا أن نصطف كالبنيان المرصوص مع قيادتنا الرشيدة، وأن نعبِّر عن ولائنا لها بالفعل وليس بالقول، عبر التنفيذ الكامل لإرشادات الجهات المختصة، والتوقف عن التصرفات السلبية، وإدراك أن كلا منا عليه مسؤولية تجاه مجتمعه، ويمكنه الوفاء بها بصرف النظر عن إمكاناته أو مجال عمله.. فالوطن ينادينا فهل نستجيب؟.