أمي اعذريني بقدر إيماني أن الموت حق أستبعد موعده عمن أحب، فكيف بروح من أنجبتني وبابي الى الجنة، رحلت بأمان الله الى رحمة الله في سبات عميق، أغمضت عيناها مع آلامها وأوجاعها وأعلنت راحتها الأبدية، ابتسامة مريحة ملأت محياها. كُنت أدعو الله ليلتها في قيامي ككل الليالي بأن يطيل الله في عمر أمي ويمدها بالصحة التامة والمعافاة وأن تستفيق.. كم نحن متلهفون لسماع صوتها.. فإذا بي أعرف صباحًا أنك رحلتِ، لم أكن أعلم أن الله أختاركِ الى جواره فجاءت أرادته وتوقف القلب الطيب. وجاءت لحظة الحق والفراق بثغر باسم ووجه يشع نورًا واشعاعًا كعروس بالأبيض تسابق فرحة لقاء الخالق الباري وتوارت تحت الثرى.. تحققت أمنيتك أمي أن تلقي ربك في المدينةالمنورة بين أهلك الذين حملوك على الأكتاف في رحلتك الأخيرة. عدت إلى الدار متوحشة الحزن مرتدية ثياب الحداد، لف البرد جدرانها برحيلك، تفاصيلك في كل مكان، غرفتك، سريرك، سجادتك، وشرشفك، مبخرتك، وعطرك... أشيائك الجميلة والكرسي الذي تجلسين عليه وتناقشي أمرنا مع أبي.. تقلقين وتفكري حتى بعد أن كبرنا.. رائحتك في الأرجاء تبعث الألم للأحياء، اختفت الحنونة من جوارنا ومازلنا ننظر إلى زوايا الدار، أبحث عن صورتك التى تمنح الطمأنينة، تظل تستقبل الداخل وتودع الخارج بخوف واستيداع، وقد خلا كرسيك اليوم وخنقتنا العبرات وشلتنا الذكريات واعتصرتنا الآلام وتمنينا أن تعودي لساعات لكي نبكي على صدرك وننوح ونسألك أن تغفري لنا وتسامحينا.. راحت الحبيبة وعيونها عالقة بالبيت وبنا ودموعها علينا لا على حالها ولم تقل وداعًا لنسأل أنفسنا هل سامحتنا من عاشت العمر من أجلنا؟ هل كنّا بارين بها.؟ نعم سيدة الدار هجرته.. برحيلك أمي سكن الدار اليتم وخيم الحزن، قطع الحبل السري مجازًا لكنه لم ينقطع من قلوبنا وقلوب من أحبك وعرفك، ألسنتنا تلهج بالدعاء والترحم عليك يا حبيبتي، يا سيدة الخُلق كما كان يناديك أحباؤك ومعارفك، صفاتك وأخلاقك لا تحصى ولا تعد. تركتِ بعدك سيرة عطرة وعماد الدار وإخوة وأخوات أفاخر بهم الدنيا، فاهنئي أمي فكل ما زرعتِه خيراً يبقى خيرًا. رحمك الله أمي.. اللهم اجعلها سيدة من سيدات أهل الجنة.