شيئاً فشيئاً تضيع هيبة الأممالمتحدة وتتحول اجتماعاتها إلى «سويقة» على طريقة الأسواق الشعبية في الدول العربية، ولا ترتقي حتى الى «هايد بارك» على طريقة طرح الأفكار في الحديقة البريطانية! يتحدث الصغار «صغار الدول لا الزعماء» في كل شيء.. ويزوم «الكبار «كبار الدول». هذا الزعيم يصرخ محذراً من خطورة ضياع دولته، وذاك يشكو من مأساة انقطاع المياه عن شعبه، وثالث ينبه لجريمة تمويل خصمه «الإرهابي»، ورابع يسأل عن ضمير العالم.. وخامس وسادس إلى نهاية السويقة!. وفي الصف الأمامي غالباً والخلفي أحياناً يجلس الكبار الذين بيدهم الحل والربط دون أن يحلوا ويربطوا.. لأنهم باختصار هم تجار الأسلحة التي ستتقاتل بها الأطراف وتجار المواقف التي يمكن أن تغير الخريطة.. تلك هي الحقيقة!. مع مرور الوقت تكتفي الشعوب بمتابعة بدْلات الزعماء وصورهم وحجم الاهتمام بهم والسجاد الأحمر الذي تم فرشه لهم على طريقة مهرجان الجونة في مصر.. البدْلة من تصميم فلان وكذا الفستان والمكياج أعده فلان وهكذا! لم يعد أحدٌ ينتظر من مهرجان الأممالمتحدة موقفاً ولو بالكلام من أي قضية تهم الإنسان، تماماً كما انحصر الاهتمام في مهرجان الجونة السينمائي بحجم فتحات الفستان ويا هوان الهوان. لقد نشأنا صغاراً على صوت شادية وكلمات صلاح جاهين: الدرس انتهى لموا الكراريس.. بالدم اللى على ورقهم سال.. فى قصر الأممالمتحدة.. مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك فى البقع الحمرا.. يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفلة مصرية وسمرا.. كانت من أشطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة.. راسم راية ثورة.. راسم وجه مؤامرة.. راسم خلق جباره.. راسم نار راسم عار..ع الصهيونية والاستعمار.. والدنيا اللى عليهم صابرة.. وساكتة على فعل الأباليس.. الدرس انتهى لموا الكراريس. ولأننا لم نستوعب أي درس، فقد انبرى الشاعر سميح القاسم معاتباً صديقه محمود درويش الذي ظل مسانداً لعرفات حتى وصولهما ووصول فلسطين للأمم المتحدة قائلاً: وَمِن كُلِّ قلبِكَ أنتَ كَتبتُ وَأنتَ كَتبتَ.. ومِن كُلِّ قلبي كَتَبْنا لشعْبٍ بأرضٍ.. وأرضٍ بشعبِ كَتَبْنا بحُبٍّ.. لِحُبِّ وتعلَمُ أنَّا كَرِهْنا الكراهيّةَ الشَّاحبَهْ كَرِهْنا الغُزاةَ الطُّغاةَ، وَلا.. ما كَرِهْنا اليهودَ ولا الإنجليزَ، وَلا أيَّ شَعبٍ عَدُوٍ.. ولا أيَّ شَعبٍ صديقٍ، كَرِهْنا زبانيةَ الدولِ الكاذِبَهْ وَقُطعانَ أوْباشِها السَّائِبَهْ كَرِهْنا جنازيرَ دبَّابَةٍ غاصِبَهْ وأجنحَةَ الطائِراتِ المغيرَةِ والقُوَّةَ الضَّارِبَهْ كَرِهْنا سَوَاطيرَ جُدرانِهِم في عِظامِ الرّقابِ وأوتادَهُم في الترابِ وَرَاءَ الترابِ وَرَاءَ الترابِ يقولونَ للجوِّ والبَرِّ إنّا نُحاولُ للبحْرِ إلقاءَهُم، يكذبُونْ وهُم يضحكُونَ بُكاءً مَريراً وَيستعطفونْ ويلقونَنَا للسَّرابِ ويلقونَنَا للأفاعِي ويلقونَنَا للذّئابِ ويلقونَنَا في الخرابِ ويلقونَنا في ضَياعِ الضَّياعِ وتَعلَمُ يا صاحبي. أنتَ تَعلَمْ بأنَّ جَهَنَّم مَلَّتْ جَهّنَّمْ وعَافَتْ جَهَنَّمْ لماذا تموتُ إذاً. ولماذا أعيشُ إذاً. ولماذا نموتُ. نعيشُ. نموتُ. نموتُ على هيئَةِ الأُممِ السَّاخِرهْ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟. كنت أنهي المقال فيما ترن في أذني كلمات لبيرم التونسي يقول فيها: ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونا.. الديانه، قبل منكم ألغيناها.. والشريعة، عن نابليون مشيناها.. .. والمصاحف في المتاحف حطيناها.. منها ذكرى ومنها فرجه ومنها زينه.. ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونا.. انتهى عهد البراقع والملايا.. والنسا، للركبتين ماشيين عرايا.. .. أمي وأختي وزوجتي .. أهم رايحين معايا.. عالبلاج .. والدنيا تتفرج علينا.. ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونا.. زيكم في كل شيء ياهل الحضاره عيب عليكم بعد كل ده تستعمرونا ياللي رايحين مجلس الأمن اسمعونا!! هكذا تهتز بشدة صورة الأممالمتحدة ومجلس الأمن في وجدان الشعوب، ويصبح الحديث عن شريعة الغاب هو المسيطر، طالما انشغل الكبار بالتجارة، وانخدع الصغار بالمظهرة، وتفرغ الآخرون للسمسرة.. إنه عالم بلا رئيس!.