يقولُ الحقّ تباركَ وتعالى في مُحكَم التنزيل: (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).. (القَصَص، 75)، كما يقول سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).. (العنكبوت، 67). رأيتُ أن أتناولَ هاتينِ الآيتين الكريمتين في مقالي هذا الأسبوع، لا سيِما وأن المناسبةَ الموسِميّة الجليلة تُذكّر بهما، حيثُ يمتنُّ الله فيهما -من خِلال سياقِهما- على أهلِ مكةَ، بما حَباهم من أمنٍ وأمان وعزةٍ وسلام، تقريراً لحرمتِها وإجلالاً لمكانتها، ويؤكّد فيهما سبحانه على خُصوصيّتها وشرِفها، وحفظِ أهلها ومن سكَن فيها ولجأ إلى جوارِها من التخطّف والخوف، وتنبيهاً لهم على هذه النعمةِ التي تستدعي الشُّكر والتواضع، حيثُ يسوقُ الله لهم من أنواعِ الأطعمةِ والأرزاق ما يُغنيهم ويفيض، تُحمَل إليهم من أركانِ الأرضِ قاطبةً، وهي نعمةٌ جهِلها أو نسيَها أو بطِرها كثيرٌ من الناس، في حين ينتشرُ الخوفُ والخطرُ في أراضٍ كثيرةٍ غيرِها، وتحذيراً لهم من التفريطِ في شروط هذه النّعمة الكُبرى، وهي الإيمانُ بالله ورسولِه، وإسداءُ الحمدِ والشكرِ لله، وإكرامُ أهلِ بيته وإطعامُهم، وتجنّبُ البطرِ والترف والظُّلم. وفي هذه الأيّام المُباركة، لا يسعُ أحدُنا إلا أن يستحضرَ الآياتِ التي تُشعر المُسلم بفائضِ الامتنان لله سبحانه وتعالى على نعَمِه وفضلِه وأمنه، في زمنٍ حرِجٍ وظروفٍ دقيقةٍ وأحوالٍ غيرِ مُستقرّة، إذ صارَ الأمنُ غائباً عن بلادٍ كثيرة، والاضطراباتُ السياسيةِ والحُروبُ تعصفُ بكثيرٍ من المُجتمعات المُجاوِرة لأرضِ الحَرمين الشّريفين، فمِن كمالِ الدِّين والتأدّب مع الله في هذه المُناسبةِ السّنوية الجليلة، أن يُقدّر المُسلمون خاصة أولئك الوافدين إلى هذه البقاعِ الطّاهرة والبلادِ العزيزةِ التي تهوي إليها أفئدةُ النّاس، ما أنعمَ اللهُ عليهم فيها من الأمنِ والأمان، وأن يقومُوا بشكرِها بنبذِ التظالمِ والتخاصمِ والتناحر، فالسّفينةُ واحدة، وخرقُها يُغرق جميعَ من فيها بعدّتهم وعتادِهم وأهليهم، وأن يستحضروا قولَه تعالى:(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).