عزز وصول نيجرفان بارزاني الى رئاسة إقليم كردستان ثم تسمية ابن عمه رئيسا للوزراء الثلاثاء، حكم عائلة بارزاني في إقليم كردستان العراق التي يتقاسم النفوذ فيها منذ عقود فريقان متنافسان. وبغض النظر عن عدم تولّي مسعود بارزاني منصبا حكوميا رسميا، ووجود ابنه نيرجرفان وابن أخيه مسرور في رأس السلطة، يتوقع أن يلعب هذا القيادي المخضرم دور "الزعيم الحقيقي" للإقليم . وأدى نيجرفان بارزاني (52 عاما) الاثنين اليمين الدستورية رئيسا للإقليم. وصوّت البرلمان الكردستاني اليوم على تسمية ابن عمه مسرور لشغل منصب رئيس الوزراء. وكان مسرور البالغ خمسين عاماً يشغل منذ عام 2012 منصب مستشار لمجلس أمن إقليم كردستان. ويكرّس وصول ابني العم المنتميين الى الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي أسسهُ جدهم الزعيم الكردي التاريخي مصطفى بارزاني، هيمنة عشائرية على الحزب وهيمنة كاملة على المؤسسات العامة للإقليم. ويقول المحلل السياسي كمال شوماني من معهد "تحرير سياسات الشرق الأوسط"، إن "البرزانيين بالأصل أقوياء بما فيه الكفاية داخل حكومة إقليم كردستان، لكنهم باتوا أقوى الآن". ويضيف "إنهم يعلمون بأنهُ من غير الممكن قانونيا إقامة نظام مَلكي في العراق أو إقليم كردستان، لكنهم عمليا أسسوا نظاما شبيها لذلك". ويتقاسم النفوذ على إقليم كردستان العراق منذ عقود الحزبان الخصمان، الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ووصلا الى القتال في بعض المراحل، بينما ساد بينهما نوع من التوافق خلال السنوات الأخيرة. وقاد الحزب الديموقراطي في تشرين الأول/اكتوبر 2017 حملة للاستفتاء على استقلال الإقليم انتهت بالفشل واستقالة مسعود بارزاني من الرئاسة، بعد رفض بغداد نتائج الاستفتاء. لكن بعد مرور عام، عاد نفوذ الحزب وبشكل كبير عبر الانتخابات التشريعية، إذ فاز بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب في الإقليم، وهو 45 من أصل 111 مقعدا. وساهم هذا الفوز بفوز نيجرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب، بسهولة بمنصب رئيس الإقليم على الرغم من مقاطعة حزب الاتحاد الوطني للانتخابات. "الزعيم الحقيقي" يتوقع المحللون أن تتأثر عملية اتخاذ القرار في حكومة إقليم كردستان بشكل متزايد بسياسة الأسرة. وتقول الخبيرة في الشؤون الكردية ميغان كونيلي من جامعة ولاية نيويورك، إن منزل عائلة بارزاني الفخم من شأنهِ أن ينافس الهيئات الحكومية كمركز ثقل لوضع السياسات. وتضيف "تأكيد مركز بارزاني كمؤسسة بديلة أصبح واضحًا تمامًا في الوقت الحالي". ونتيجة لذلك، ترى كونيلي أن الرئاسة كمؤسسة مستقلة "ستكون بالتأكيد أضعف، ومن الصعب لها أن تخرج من ظل مسعود". وقال نيجرفان بارزاني خلال مقابلة صحافية في آذار/مارس إن مسعود بارزاني باقِ "الزعيم الحقيقي"، وإنه "الشخص الوحيد الذي لا يمكن إزالته من المشهد". وبالفعل، كان الوالد من ألقى خطابا بعد أداء الرئيس اليمين الدستورية أمس. ومن المحتمل أيضًا أن يلعب مسعود بارزاني أيضا دور الوسيط في أي تنافس بين ابنه وابن أَخيه. ويقول شوماني "سيبقى نيجرفان ومسرور بارزاني متحديٌن في مواجهة التحديات الخارجية التي تواجه أسرتهما والحزب الديموقراطي الكردستاني". ويضيف "مع ذلك، قد تشتد صراعاتهم الداخلية على السلطة والموارد". "عائلة كبيرة متحاربة" لا تقتصر ظاهرة حكم الأسرة على الحزب الديموقراطي الكردستاني، إذ تهيمن عائلة طالباني على الاتحاد الوطني الكردستاني. وشغل أحد مؤسسي هذا الحزب جلال طالباني منصب رئيس جمهورية العراق بين عامي 2006 و2014. وكان ابنه قوباد يشغل منصب نائب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان. وكان مسعود بارزاني وجلال طالباني خصمين مريرين لعقود من الزمن، وخاضا حربًا أَهلية في منتصف التسعينات خلفت الآف القتلى قبل أن يوقعا معاهدة سلام. وتقول كونيلي إن الأجيال الأكبر سناً "تجلس الآن على الطاولة وتحضر أبناءها وأحفادها، إنها تشبه عائلة كبيرة متحاربة". ويثير هذا الوضع مرارة بين أحزاب المعارضة، بما في ذلك حركة الجيل الجديد التي تأسست عام 2018 ضد النُخبة في الاقليم. ويقول النائب عن حركة الجيل الجديد في البرلمان الفدرالي العراقي سركوت شمس الدين إن "تنصيب مسرور بارزاني رئيساً للوزراء هو الخطوة الأخيرة نحو إقامة حكم الأسرة في كردستان من خلال الوسائل الديموقراطية". ويضيف إن رد الفعل الصامت أظهر أن السكان "مُحبطون". ويتابع "لقد سئموا من سياسات حكومة إقليم كردستان وسياسات الحزب والاستقطاب. لقد تم تطبيع الوضع وهو أمر خطير حقًا". ويرى النائب، بأنه، على المدى القصير، سيؤدي إضفاء الطابع الرسمي على حكم الأسرة إلى إحباط محاولات أحزاب المعارضة في التأثير والتغيير. لكنه قد يزرع بذور نشاط طويل الأجل، إذا كان أعضاء الحزب غير راضين عن هَيمنة عشيرة واحدة. ويختم شمس الدين قوله "أعتقد أن التغيير سيأتي".