ظلت مهنة "المسحراتي" أو ما يُعرف في المنطقة الشرقية بالمملكة "أبو طبيلة" تقاوم الاندثار عاماً بعد عام مع تطور وسائل الاتصال إلا أنها بقيت راسخة في أذهان الكبار والصغار، ولا يكتمل شهر رمضان المبارك إلا بوجود "أبو طبيلة" إذ اعتادوا عليه وهو يجوب شوارع القُرى في محافظة الأحساء خلال رمضان ليوقظهم لتناول وجبة السحور قُبيل طلوع الفجر. ويترقب الصغار والكبار في الأحساء موعد مرور" أبو طبيلة " قبل آذان صلاة الفجر، والبعض يخرج من منزله أو يطل من نافذته لرؤيته وهو يمسك بطبلته الصغيرة التي يقرع عليها بطريقة محببة إلى النفس مرددًا بعض الأدعية وأحيانًا الأهازيج الشعبية ليوقظ الناس بها. وتعد مهنة "أبو طبيلة" من أقدم العادات الرمضانية القديمة التي اعتاد عليها الناس في الأحساء، فهو لا يترك المكان إلا بعد أن يتأكد من استيقاظ الناس بالفعل، ولكل قرية صغيرة مسحر خاص بها في الأحساء، ومع النمو السكاني وكثرة عدد السكان اكتفى أغلبية المسحرين بأن ينادوا على الأهالي بأسماء عامة أو بذكر بعض العبارات التي تذكرهم بتقوى الله، وتدعوهم إلى التخلي عن النوم، والاستيقاظ لتناول السحور ثم الاستعداد لصلاة الفجر. وتتمسك محافظة الأحساء وقراها بتقليد "أبو طبيلة" على الرغم من قلة وجود من يؤديه بسبب انتشار المنبهات في أجهزة الجوال الذكية، ويظل ممارسًا لمهنته إلى ما بعد انقضاء شهر رمضان المبارك حيث يستمر في القرع على طبلته إلى أن يحل العيد، فُيقبل عليه النّاس بالمال والهدايا والحلويّات ويبادلونه عبارات التّهنئة بالعيد السّعيد. ومن الذين يمارسون مهنة "أو ابوطبيلة" في الأحساء المواطن ناصر العريفي من مدينة المبرز الذي عبر عن سعادته بالمحافظة على هذه المهنة رغم اختفائها من معظم مدن بالأحساء، مشيراً إلى أنه ورث هذه المهنة عن والده وسيستمر في ممارستها لحبه لها بوصفها جزءًا من تراث الأحساء العريق. كما يمارس هذه المهنة المواطن جاسم بوحمد من بلدة المركز، وهي واحدة من البلدات التي لا تزال تتمسك بهذا التقليد المتوارث منذ زمن بعيد، وقال : احرص على إيقاظ الناس للسحور، حيث أجوب شوارع المركز بطبلتي والأطفال من نوافذ منازلهم يشاركوني بأصواتهم الطفولية الباعثة على الثقة والطمأنينة إلى ماضينا العتيد، فيرسمون من حولي أجمل الصور والمشاهد الرمضانية. ومن جهته قال مدير الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمحافظة الأحساء المهندس عمر الفريدي أن "أبوطبيلة" يعرف بملابسه الشعبية التراثية وبصوته الجهوري الذي يردد بعض الأدعية وأحيانًا بعض الأهازيج الشعبية في شوارع الأحياء الشعبية بالأحساء وبلداتها، مثل قوله : "لا إله إلا الله محمد رسول الله" و"أصحى يا نايم وحّد الدايم". أما المواطن صالح القميش فقد أفاد أن أبو طبيلة يذكره بتاريخ الأحساء القديم حيث كان يجوب طرقاتها في الظلام الدامس وبين البيوت والنخيل والأشجار، ونسمع قرع الطبل الذي يبدد الخوف والقلق بأهازيج جميلة مرتبطة بشهر رمضان المبارك، وأثناء تجواله يمر على بعض البيوت ويقف على أبوابها مناديًا بأسماء أصحابها. ولقرع طبلة أبو طبيلة رونقها الخاص حسبما وصفها المواطن وليد الحسين مدير متحف الأحساء للآثار والتراث الأسبق إذ أشار إلى أنه حين يسمع قرع طبل أبو طبيلة يعيش في جو رمضاني حقيقي مفعم بذكريات الماضي الجميل والناس تعيش روحانية هذا الشهر الفضيل بعيدًا عن ضوضاء بعض الأجهزة التقنية.