اختار ملايين المصريين "الاستقرار" ومنح الرئيس عبد الفتاح السيسي إمكانية البقاء في السلطة لسنوات مقبلة، من خلال الموافقة على تعديلات دستورية طُرحت في استفتاء، في وقت تستميت شعوب في محيطهم للإطاحة بقادتها. وأدلى المصريون بأصواتهم بين السبت والاثنين في استفتاء حول تعديل مواد دستورية تحصر الرئاسة بفترتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات. وأيّد 88,83 في المئة من المقترعين التعديلات، ما يفتح الباب عمليا أمام بقاء السيسي في الحكم بشكل مؤكد حتى 2024 على الأقل، وحتى 2030 إذا نجح في الفوز بولاية ثالثة. كما تعزّز التعديلات صلاحيات الرئيس وسلطات الجيش. وشارك في الاستفتاء 44,33 في المئة من الناخبين. ميرفت عبد الفتاح، ربة المنزل الخمسينية، تقول بلهجة المنتصر "شاركنا وصوتنا ب نعم، لِم قد نصوت بلا"، مضيفة "البلد يسير بشكل جيد وهو مستقر. ومن المنطق أن يأخذ السيسي فرصته كاملة لإنهاء ما بدأ". وفور صدور نتائج الاستفتاء الثلاثاء، نزلت أعداد من المصريين الى الشوارع للاحتفال، بحسب صور بثتها قنوات تلفزيونية مصرية. وتجمّعوا حاملين أعلام مصر يرقصون على أنغام الأغاني الوطنية في ميدان التحرير في القاهرة الذي شهد تظاهرات واحتجاجات شعبية غاضبة أسقطت رئيسين منذ عام 2011. تيموثي كالداس المحلل بمعهد "التحرير لسياسة الشرق الأوسط" ومقره في واشنطن، يقول "ما لا شك فيه أن كثير من الشعب يدعم السيسي ويعتقد أنه منع مصر من مصير الجيران مثل ليبيا أو سوريا". ويضيف "بالنسبة لمعظم المصريين وبعد أن أطاحوا برئيسين ورأوا ظروف حياتهم تزداد سوءًا في كل مرة، أصبح إيمانهم ضعيفا بأن انتفاضة ثالثة قد تحسن الوضع". وبالإضافة إلى تمديد الفترة الرئاسية، تنص التعديلات على إعادة مجلس الشيوخ (الشورى سابقا) الذي تم إلغاؤه بموجب دستور 2012، بعد انتفاضة 2011 التي أدت إلى سقوط نظام حسني مبارك. كما سيصبح للرئيس الحق في اختيار رؤساء الهيئات القضائية ورئيس المحكمة الدستورية والنائب العام، ويجوز له تعيين نائب واحد أو أكثر. غياب القوى السياسية يمكن تفسير نسبة الموافقة المرتفعة على التعديلات أيضا بغياب أي معارضة فاعلة في مصر. ويقول خبير علم الاجتماع السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية زياد عقل أنه في ظل "غياب القوى السياسية وعدم ظهور موقف موحد للمعارضة تجاه الاستفتاء وما يقابلها من حالة الحشد من الجهات المؤسسية.. خُلق مشهد الاحتفال الذي نراه". ويضيف أن احتفالات المصريين تُعد "سلوكا نمطيا يقترن بالعملية السياسية (..) خلقه تحكّم الدولة في المجال العام". ورأى مركز "صوفان سنتر" للتحليل الأمني ومقره في نيويورك أن التعديلات الدستورية "ستشدد قبضة الرئيس على النظام السياسي في مصر". وقال المركز في تقرير صدر الأسبوع الماضي "لا معارضة علنية تُذكر للتعديلات الدستورية، وهي نتيجة طبيعية ". وكان البرلمان المصري صوّت بأغلبية ساحقة من 531 صوتا من أصل 554 نائبا على التعديلات قبل طرحها على الاستفتاء. وانتخب السيسي للمرة الأولى في 2014 بأغلبية 96,9% من الأصوات. وأعيد انتخابه في آذار/مارس 2018، بأغلبية 97,08% . السودان والجزائر وتتناقض نتيجة الاستفتاء في مصر بشكل كبير مع الأحداث الجارية في السودان المجاور حيث تتواصل حركة احتجاجية منذ كانون الأول/ديسمبر نجحت في الإطاحة بالرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة ثلاثين عاما، وتطالب اليوم بتنحي العسكريين الذين استلموا الحكم. في الوقت ذاته، نجحت انتفاضة شعبية سلمية في الجزائر بالإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتستمر المطالبة بتسريع المرحلة الانتقالية للوصول الى انتخابات رئاسية ديموقراطية. وفي اليوم نفسه الذي صدرت فيه نتائج الاستفتاء في مصر، ترأس السيسي بصفته رئيسا للاتحاد الافريقي هذا العام، قمة جمعت عددا من قادة الدول الإفريقية في القاهرة، وطالبت القمة المجلس العسكري السوداني بتسليم السلطة للمدنيين خلال مهلة ثلاثة أشهر، تحت طائلة تعليق عضوية السودان في الاتحاد.