تؤكد الدراسات الاجتماعية، على أهمية انتشار وتوسع "ثقافة المبادرات"، كونها تلعب دائمًا في تدعيم نشاطات أي مجتمع من المجتمعات، ليس ذاك فحسب، بل إنها -وهو المهم- تساهم بفاعلية كبيرة في دعم منظومة "خلق الفرص"، وممانعة الظروف المحبطة والقفز عليها، بصناعة الإيجابية العملية وعدم الوقوف عند محطة العوائق والتحديات، وهذا في أصله كله منهج نبوي شريف، ودونكم سيرته الكريمة صلى الله عليه وسلم، الذي كان مثالًا وبرهانًا بينًا على تشجيع المبادرات الفردية والمجتمعية. ربما ما دفعني لكتابة هذا المقال، ليس الحديث المباشر عن وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، وكيل المديح لهما دون وجه حق، وإن كنت اختلف معهما في بعض الحيثيات -ولا مجال لذكرها هنا- بل أكتب من نافذة "إعطاء كل ذي حق حقه" فكما نكتب عن سلبيات القطاعات ونطالب بمعالجتها، فإننا مطالبين في المقابل بالكتابة عن التطوير الإيجابي والحث عليه واستمراره. ما لفت انتباهي عند زيارة "معرض إكسبو سكني جدة 2019" الذي يقام للمرة الثالثة على التوالي بعد النسختين الماضيتين في الرياض والظهران مؤخرًا، قدرتهم على ما يمكن الإشارة إليه ب"صناعة الفرص السكنية للمواطنين"، لذلك اعتبر أن هذه المعارض مهمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى -رغم تأخرها بعض الشيء- كونها استطاعت تعزيز التواصل المباشر بين المستفيدين والأطراف ذات العلاقة بتملك المسكن من المطورين العقاريين والمقاولين والممولين، ولكن تحت إشراف حكومي ممثلًا بوزارة الإسكان والصندوق العقاري، وهذا في حد ذاته يحمل دلالات نوعية ليس فقط من أجل الحصول على المسكن المناسب، بل من جانب وجود الضمانات الكاملة للمواطن، لأن عملية البحث عن المسكن المناسب بالشروط والجودة العالية -وأسألوا المجربين- تتسم بكثير من التعقيد والمخاطرة. بالأمس القريب زرت معرض جدة السكني، وبعيدًا عن حالة النقد اللا موضوعي، يمكنني القول إن إقامة هذه المعارض أولوية مهمة للمواطن، لمساعدته في كيفية اختيار المسكن المناسب بما يتناسب مع حالته الإئتمانية، لذا ومن خلال معاينتي الشخصية لبعض حالات المستفيدين، هو تشدد القائمين على إدارة المعرض بعدم ترك المواطنين للممولين العقارين أو المطورين للاستحواذ عليهم، بل كانت تهيئة استشارية إن صحت العبارة، وهي خدمة يقدمها مستشارون عقاريون للمواطنين، لتكون بمثابة اختصار حقيقي لثلاثة أرباع طريق تملك السكن، حيث يضعون أمامه الخيارات الملائمة له على الطاولة، وهذا في اعتقادي الشخصي أهم مكاسب المعارض السكنية، التي استطاعت بحسب البيانات التي قرأتها في المواقع الرسمية من رفع حالات عدد الطلبات التمويلية المقدمة من قبل المستفيدين للممولين. رسالتي الأخيرة التي أتمنى وصولها لطاولتي وزير الإسكان والمشرف العام على الصندوق العقاري، هي استدامة هذه المعارض السكنية، وعدم وجودها فقط في المدن الرئيسية، بل من المهم تعميمها على المدن المتوسطة والصغيرة، لأنها من أكبر الفرص المنهجية لزيادة التملك وتحقيق ما يصبو إليه كل من برنامج الإسكان 2020 ورؤية المملكة 2030.