تشبه الأزمة التي يمر بها حزب المحافظين البريطاني، خصوصًا إزاء قضية البريكست Brexit في الوقت الحالي، تلك الأزمة التي مر بها أيضًا الحزب في السبعينيات الميلادية، ففي تلك الفترة الماضية خسر الحزب الانتخابات لدورتين متتابعتين، لم تفصل بينهما إلا بضعة شهور معدودة، ونجد أن تريزا ماي Theresa May خسرت برنامجها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من خلال نتيجة التصويت في مجلس العموم البريطاني، حتى إن المتحدث باسم مجلس العموم حذّر من أنه لن يسمح ل»ماي» بالتصويت على البرنامج نفسه للمرة الثالثة، ولا يمكنها القيام بذلك في هذه الدورة الانتخابية الحالية. في السبعينيات الميلادية كان الموضوع الذي مثّل تجاذبًا سياسيًّا بين المحافظين والعمّال هو موضوع النقابات العمّالية، والتي تصوّت عادة لصالح حزب العمّال، وإذا كان إدوارد هيث Edward Heath، زعيم المحافظين آنذاك، ورئيس الوزراء في عام 1970 – 1974م قد خسر الانتخابات لمرتين متتاليتين لعوامل منها: عدم قدرته على التعامل مع الشأن الإعلامي؛ بينما منافسه في العمّال هارولد ويسلون Harold Wilson كان يجيد هذا المنحى المهم بالنسبة للقضايا المطروحة سياسيًّا، كما كان هيث بعيدًا عن أعضاء الحزب؛ لأنه كان يرى في نفسه منظّرًا اقتصاديًّا متفرّدًا؛ فإن ماي منذ صعودها لرئاسة الوزراء لم تكن منفتحة الانفتاح الكافي على زملائها في الحزب، بما يُرجِّح خسرانها الانتخابات، قياسًا على ما حصل مع هيث؛ ولكن الفارق أن حزب المحافظين في تلك الفترة كان قادرًا على إنشاء قاعدة سياسية واسعة للحزب، خصوصًا تلك التي تميل نحو الرأسمالية الجديدة، ومن ثم كان بداية سقوط الحزب هو التشكيك في قدرة هيث على قيادة الحزب، وألمح إلى ذلك المنظّر المحافظ كيث جوزيف Keith Joseph، ومن ثم طرح موضوع زعامة الحزب، واختار أعضاؤه زعيمًا جديدًا هي مارغريت تاتشر Margaret Thatcher، والتي استطاعت، مع فريق متناغم، تطبيق منهج الخصخصة الاقتصادي، والذي أعطى الاقتصاد البريطاني آنذاك دفعة قوية أسهمت في تحريك جموده، وتفعيل مصادر دخله على نحو أنعش الخزينة البريطانية ومكّنها من الاستجابة للمتطلبات والاستحقاقات الاقتصادية في حينها. وإذا كانت «ماي» تنظر بإعجاب لشخصية مارغريت تاتشر؛ إلا أنها لا تملك في المقابل المواهب والقدرات ذاتها التي كانت تمتلكها تاتشر، إضافة إلى اعتماد تاتشر على كوادر سياسية مؤهلة وذات تأثير كبير في الساحة السياسية؛ الأمر الذي تفتقده «ماي» في حاضر أزمتها الحالية، والتي حصرت الخيارات المتاحة أمام أمرين لا ثالث لهما؛ إما العودة إلى إجراء استفتاء شعبي عام؛ للمرة الثانية، على موضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وتحمّل نتائج هذا التصويت، وإما الإعلان عن حلِّ الحكومة الحالية، واللجوء إلى انتخابات مبكرة، بما يعني بداهة سقوط زعامة «ماي» لحزب المحافظين، مع ترجيح كبير لانتصار العمّال في الانتخابات.