من باكستان إلى الهند، ثم إلى الصين، تمضي جولة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع مستهدفة، تعزيز علاقات المملكة الراسخة مع تلك الدول المهمة، وتحقيق السلام في ربوع العالم. وكان من اللافت مدى الحفاوة التي استقبل بها سمو ولي العهد في اسلام آباد، وما ورد على ألسنة زعماء باكستان، فضلًا عمَّا ورد على لسان سمو ولي العهد؛ الأمر الذي جعل رئيس الوزراء الباكستاني يقول في المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختام الزيارة: إن وصف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن ولي العهد نفسه سفيرًا لباكستان في المملكة يُعد مصدر فخر لكل باكستاني. وأوضح دولته أن هذه العبارة من سمو ولي العهد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحظى بإشادة كبيرة من الشعب الباكستاني. على أن زيارة سموّه لباكستان لم تكتفِ فقط بترسيخ العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين، وإنما امتدت إلى آفاق سياسية واقتصادية رحبة، لخصها سمو ولي العهد بقوله: «إن باكستان دولة مهمة، وأثق من مستقبلها الزاهر، فلديها طاقات وفرص هائلة، وأعتقد بأن باكستان ستكون من أكبر الاقتصادات في العالم مع حلول عام (2030)، ولا يخفى أن الصين ستكون أكبر اقتصاد عالمي في عام 2030، والهند ستكون ثالث اقتصاد عالمي، ولا شك أن باكستان ستستفيد من جيرانها مع وجود القيادة الناجحة في باكستان القادرة على وضع باكستان على المسار الصحيح». كما لفت سموّه إلى أن باكستان حققت نموًّا اقتصاديًّا بنسبة (5 %) في عام 2018، وهذا يدل على قدرتها على تحقيق أهداف النمو الاقتصادي بسهولة في المستقبل؛ بفضل قدراتها وجهود شعبها مع وجود حلفاء أقوياء. تنسيق سياسي اقتصادي حرص وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء، عادل الجبير، على تأكيد عمق العلاقات السعودية الباكستانية على مدى 70 عامًا، وكيف أنهما ترتبطان بمصالح استراتيجية مشتركة، مشددًا على أن الإرهاب هو العدو المشترك، وأن باكستان والمملكة وأمريكا تعمل سويًّا لمكافحة ذلك الخطر، مشيرًا إلى أن إيران هي «ملاذ الإرهابيين» وآخر الدول التي يمكن أن تتهم الآخرين بالإرهاب. وأوضح كذلك، أن المملكة تعمل مع باكستان بهدف التوصل إلى تسوية بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، وترغب في حل سلمي بشأن الأزمة الأفغانية. أما وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي فشدد على سعى البلدين إلى التغلب على المشكلات في المنطقة، فضلًا عن الرغبة في توطيد وتوسيع هذه العلاقات التاريخية. وعلى الصعيد الاقتصادي وتحديدًا على مستوى الوفود التجارية والاستثمارية، لفت الوزير الجبير إلى أنه تم إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة تسهم في استثمار نحو 20 مليار دولار أمريكي في باكستان في مختلف المجالات، فيما قال نظيره الباكستاني: إن مجلس التنسيق -وهو الأول الذي يقر خارج نطاق منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية- يعكس رغبة المملكة في تنفيذ ما أبرم من اتفاقيات ومذكرات تفاهم، إضافة إلى مذكرات تفاهم عدة تحت الإجراء ستوقع في الجسلة القادمة. وبيّن الوزير الباكستاني أنه تقرر عقد اجتماعات مجلس التنسيق على مستوى وزراء البلدين كل 6 أشهر، وتعقد مجموعات العمل كل 3 أشهر، في حين أن قيادتي البلدين تجتمع مرة على الأقل في العام؛ ليتم متابعة الإجراءات التنفيذية. وأوضح قريشي أنه تم تشكيل 10 مجموعات عمل لمتابعة الاستثمارات السعودية في بلاده، واتفق على تحديد مواعيد محددة للاجتماع بشكل منتظم لمتابعة المستجدات. احتفاء تاريخي توقعت وكالة بلومبرج أن تثمر الاستثمارات السعودية في باكستان والمقدرة ب20 مليار دولار، عن دعم الاقتصاد لمواجهة أزمة العجز في ميزان المدفوعات. ونوّهت الوكالة بالاحتفاء الكبير الذي أبدته باكستان بسمو ولي العهد، بداية من الطائرات الحربية التي رافقت سموه عند دخوله أجواءها، مشيرةً إلى أنّ الزيارة تدشن حقبة جديدة في علاقات البلدين. كما توقعت الوكالة أن تسهم زيارة سمو ولي العهد للهند في تهدئة الأجواء مع باكستان. من جهتها تطرقت صحيفة اكسبريس تربيون البريطانية إلى الاحتفاء التاريخي بولي العهد أثناء الزيارة، من خلال إعلان يوم وصوله إجازةً عامةً، ونشر الأعلام السعودية في كل مكان. ونوّهت بتصريحات ولي العهد التي شدّد فيها على أهمية باكستان والشراكة معها في المستقبل. أما محطة بي بي سي، فأبرزت إشادة رئيس وزراء باكستان عمران خان بأفكار الأمير محمد بن سلمان الإصلاحية، والعلاقات القوية بين البلدين. حيوية وإستراتيجية العلاقة مع الهند تكتسب زيارة سمو ولي العهد إلى الهند، أهميةً خاصةً يدعمها تاريخ عريق وحاضر ساطع ومستقبل زاهر، فعلى صعيد العلاقات الوطيدة يمتد التعاون السياسي والاقتصادي إلى نحو 80 عامًا، ويشهد الحاضر على تعاون كبير بين دولتين كبريين تحملان عضوية مجموعة العشرين، فيما يبشر المستقبل بآفاق أوسع وأرحب على الأصعدة كافة. وتعد العلاقات الاقتصادية مع الهند هي الأكثر حيوية، من خلال اعتماد الهند في جزء كبير من وارداتها البترولية على إنتاج السعودية؛ لأنها تحصل على أكثر من 30 في المائة من حاجاتها البترولية من المملكة. فيما تجاوز حجم التبادل التجاري الثنائي نحو 43 مليار دولار في عام 2013، ويغطي مجموعة واسعة من القطاعات بما في ذلك خدمات الإدارة والاستشارات، ومشروعات البناء، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والمستحضرات الصيدلانية، كما تحول الوجود الهندي من مجرد قوى عاملة بلغت 2 مليون عامل مقيم بالمملكة إلى شركات ومؤسسات هندية، تتعاون مع الشركات الوطنية، وتتنافس مع كبريات الشركات العالمية في تقديم الخدمات الهندسية والاستشارية. بما في ذلك هناك نحو 500 مشروع مشترك، ولا سيما مشروعات الطاقة. 3 ملفات مهمة في الصين أما الزيارة المرتقبة لولي العهد إلى الصين فتستهدف مواصلة دعم التعاون الاستراتيجي بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية، واستكشاف المزيد من فرص أكبر للتعاون مع المملكة، خاصة في المجال الاقتصادي، كما تناقش الزيارة 3 ملفات اقتصادية رئيسة تتناول أوضاع السوق النفطية، والتعاون الاقتصادي المشترك، ودعم المملكة للصين في مشروع «طريق الحرير» والذي يعيد أقدم طرق التجارة العالمية إلى الواجهة. وكانت الصين قد طرحت مؤخرًا، مبادرة بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن ال21» مع دول آسيا وأوروبا. والمعروف أن المملكة تقع في منطقة التلاقي بين طريقي الحرير البري والبحري؛ ما يخلق فرصًا وآفاقًا جيدة للتنمية. وتشارك الشركات الصينية في مشروعات البناء الكبرى في المملكة، ومنها مشروع قطار الحرمين الذي يربط المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة عبر جدة. ومن نماذج التعاون الاقتصادي المهمة تعاقد شركة «سينوبك» الصينية مع أرامكو؛ لبناء مصنع بطاقة 400 ألف برميل يوميًّا، وبدأ تصدير أولى شحناته في يناير الماضي. جدير بالذكر أن أكثر من 1200 من الطلاب والطالبات السعوديين يدرسون في نحو 83 جامعة صينية وفي 57 تخصصًا.