في مقطع استثنائي انتشر مؤخراً يظهر فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس يُقبِّل يد فضيلة الشيخ عثمان طه خطاط المصحف الشريف؛ عظيمٌ يُقبِّل يدَ عظيمٍ آخر.. هكذا هم أهل العلم والفضل في تواضعهم وكريم أخلاقهم فلا ينقص ذلك السلوك منهم مثقال ذرة بل يزيدهم رفعة ومكانة.. نعم هذه هي التربية القرآنية التي تربى عليها الجيل الشامخ بالقيم.. فأضحوا نماذج وقدوات فذة.. وبقدر إعجابي بالمقطع بقيت لوهلة أتأمل وأقارن بينه وبين مشاهد في واقعنا التربوي من مظاهر مؤسفة، فطالبٌ يدخل مدرسته برشاش لتهديد الهيئة الإدارية، وولي أمر طالب مع أبنائه يقتحم مدرسة ويعتدي على معلم في فصله وأمام طلبته!!، ومشاهد اجتماعية كثيرة تنم عن استهتار بقيم احترام الكبار.. وحقيقة فإن هذه المظاهر ليست بجديدة علينا وربما وجدت قبل أكثر من عقدين من الزمان.. وقد وضُعت (لائحة الانضباط السلوكي) منذ عام 1425ه وعُدّلت اللائحة في عام 1437ه وأصبحت في أيدي الطلاب والطالبات وتوضع في أفنية المدارس ولكن للأسف لا تُطبق في الواقع الفعلي وكما يجب!!.. وربما كان ذلك لاعتبارات مستقبلية تؤثر على سمعة الطالب.. وكثيراً ما تتدخل الوساطات في منع العقوبة وغيرها من الأمور الخفية ولذلك لم تحقق الهدف منها.! ولكن استمرار التطاول على المعلمين جسدياً وتدمير سياراتهم من بعض الطلاب المتنمِّرين وأولياء أمورهم وابتزازهم بإعطائهم درجات أو ملخصات للاختبارات.. سلوكيات أوجدت شرخاً وفجوة نفسية واجتماعية وتؤثر سلباً على المخرجات التربوية والتعليمية. وقد كنت طالبت في كتابي:(واقعنا التربوي والتعليمي.. التحديات والتطلعات ) ص18 «بإصدار ميثاق أخلاقيات طالب العلم ولائحة بالعقوبات، والتوضيح بأن العقوبة تطال ولي الأمر الذي يعتدي على أحد معلمي المدرسة وذلك على غرار ما قامت به الإدارة القانونية بوزارة الصحة بإعلان بأن الاعتداء على الممارسين الصحيين (لفظياً أو جسدياً) يؤدي لعقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات وغرامة مالية بحد أعلى مليون ريال. وربما يكون الصوت قد وصل وهاهي وزارة التعليم تدرس حالياً إصدار لائحة لحماية المعلمين من الاعتداء وتتضمن الحقوق والواجبات كما في صحيفة المدينة 6/6/1440ه . ونأمل أن لا يطول انتظار الميدان التربوي لهذه اللائحة وأن تتضمن حقوق المعلم التي سلبت منه فأصبح فقط ممارساً للتعليم ويطبق المقررات وفقد مكانته وسُلبت هيبته. بل ضرورة إعادة النظر في (العقاب) وهو وسيلة من أساليب التربية وليس بالضرورة أن يكون عقاباً بدنياً بل عقاباً معنوياً فيحرم الطالب مثلاً من الذهاب لرحلة أو ممارسة نشاط محبب أو نقص في درجة السلوك.. حتى يشعر بالخطأ واعطاء المعلم الحق في ممارسة تلك العقوبات. بل هناك الكثير من المعلمين والمعلمات الذين يطالبون بإعادة المركزية لاختبارات الثانوية العامة حتى لا يكون للطلاب تأثير على المعلمين والمعلمات بابتزازهم في الأسئلة والملخصات وكما يحدث في المدارس الأهلية والذي أوجد فارقاً كبيراً في مستوى اختبار القياس والاختبار التحصيلي للطلاب والطالبات.. ولكن قبل هذا وذاك لا بد من تكثيف الدورات التدريبية للمعلمين والمعلمات بالأساليب التربوية في معاملة الطلاب؛ فالمعلم وشخصيته وصفاته الجسمية والخلقية والنفسية وحسن هندامه وكفاياته التدريسية وحسن إدارته للصف وطرائق تدريسه كلها عوامل تعزز من احترام الطالب له وتردم جزءاً كبيراً من الفجوة الاتصالية بين قطبي العلاقة وبذلك نعيد للمعلم هيبته ومكانته التي فقدها.