من أسباب انتقاص المرأة، الفهم الخاطئ لبعض الآيات القرآنية، ومن هذه الآيات (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى الحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ).. (الزخرف:18).. فقد فسّرها الإمام ابن كثير رحمه الله بقوله: «أَيْ الْمَرْأَة نَاقِصَة يَكْمُل نَقْصهَا بِلُبْسِ الْحُلِيّ مُنْذُ تَكُون طِفْلَة وَإِذَا خَاصَمَتْ فَلَا عِبَارَة لَهَا بَلْ هِيَ عَاجِزَة عَيِيَّة أَوَمَنْ يَكُون هَكَذَا يُنْسَب إِلَى جَنَاب اللَّه الْعَظِيم؟! فَالْأُنْثَى نَاقِصَة الظَّاهِر وَالْبَاطِن فِي الصُّورَة وَالْمَعْنَى فَيَكْمُل نَقْص ظَاهِرهَا وَصُورَتهَا بِلُبْسِ الْحُلِيّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِيُجْبَر مَا فِيهَا مِنْ نَقْص، كَمَا قَالَ بَعْض شُعَرَاء الْعَرَب وَمَا الْحُلِيّ إِلَّا زِينَة مِنْ نَقِيصَة.. يُتَمِّم مِنْ حُسْن إِذَا الْحُسْن قَصَّرَا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَمَال مُوَفَّرًا.. كَحُسْنِك لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُزَوَّرَا وَأَمَّا نَقْص مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا ضَعِيفَة عَاجِزَة عَنْ الِانْتِصَار عِنْد الِانْتِصَار لَا عِبَارَة لَهَا، وَلَا هِمَّة». وتفسير بعض كبار المفسرين في مختلف الحقب التاريخية لا يخرج عن هذا المعنى، وهو مثلٌ حي يُبيِّن لنا عدم تحرر بعض المفسرين والفقهاء من موروثاتهم الفكرية والثقافية؛ إذ يعكس مدى تحكُّم الموروث الفكري والثقافي في نفوسهم، حتى نجدهم ابتعدوا عن المقصود القرآني من الآية، وعمّموها على كل النساء، وكأنّ كل نساء العالم ينشأن في القصور، ويُربين على البذخ والترف والزينة، ثمَّ ليس كل من يُربى في القصور وفي الزينة يكون ضعيف الحجّة، فالسلاطين والأباطرة يُربّون في الحلية والبذخ والترف، ولكن يُصبحون حُكَّامًا، فالإنسان طبقًا لما تربَّى ونشأ عليه، وهذا المقصود من الآية: فكل من يُنشّأ في الزينة والترف دون تحمّل أية مسؤولية، ودون تعليم وتثقيف وتدريب على استعمال العقل والحجة، سيكون ضعيف الحجة والبيان، وهذا ليس خاصاً بالنساء كما يقول بعض المفسرين، ولكنه يشمل الرجال أيضًا، فيوجد من الرجال ممَّن نشأوا في القصور على الترف والبذخ، ممن يتَّصفون بضعف العقل والحجة، فكانت رضية بنت التمش: ملكة من ملكات الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة. ارتقت المُلْك في 18 ربيع الأول سنة 634ه/ 1236م بعد خلع أخيها ركن الدين فيروز شاه، وهي خامس ملوك دولة المماليك بالهند، وقد أبى الأمراء في أول الأمر أن يُقسموا لها يمين الطاعة، ولكنها بحزمها وحسن تدبيرها تمكَّنت من إخضاع البلاد كلها لسلطانها، وكانت السلطانة رضية تملك كل الصفات التي تؤهلها لتولي المُلْك، وإدارة شؤون الدولة، فكان والدها إذا تغيَّب في حروبه يُنيبها عنه في إدارة أعمال حكومته، مفضِّلًا إياها على أبنائه الذكور، ولمَّا سأله أمراؤه: لماذا اختار ابنته بدل أحد أبنائه في نيابة الدولة، أجاب: إنَّ أولاده انهمكوا في الشرب واللعب فإدارة الدولة صعبة عليهم، أمَّا رضية بيكم -لفظة فارسية معناها أميرة- فمع إنَّها امرأة لكن لها عقل وقلب رجل، ولمَّا تبوأت عرش الدولة أظهرت من حُسن الإدارة ما يُؤيِّد هذا الوصف عنها، فإنَّها خلعت الملابس النسائية، ولبست الحُلّة المَلكيَّة، وشرعت تُباشر أعمال الدولة بنفسها وتنظر في القضايا المعروضة عليها، وتفصل فيها بالعدل والقسطاس المستقيم، وكثيراً ما قادت جيوشها بنفسها، وتآمر أخوها على خلعها، حسداً منه لما بلغت من مكانة، ولم يُفلح، وتوفيت سنة 637ه/ 1239م. ثم هل كل الإناث يُربين في الترف والزينة؟.. إنّ معظمهن يعشن حياة بسيطة متواضعة، وكثيرات منهن يعشن في فقر مدقع، فالنساء الفقيرات في العالم يُشكِّلن 70%، وقليلات أولئك اللواتي يعشن في القصور ويُربيْن على البذخ والترف، ويكنّ ضعيفات الحُجَّة، مثلهنّ مثل بعض الذكور الذين ينشأون مثلهن، تلك النشأة بلا تربية سليمة، فليس من العدل أن يُعمّم القليل، وجعله على المُطلَق، وبه يُعمّم الحُكم على كل النساء، وتُصاغ أنظمة وقوانين تتعامل مع النساء بموجب هذا الحُكم، الذي يُنسب إلى الخالق جل شأنه، وتُوصف بأنّها شرع الله.