لماذا يعد جاك دريدا فيلسوفًا؟ ولماذا تعد نظريته التفكيكية/التقويضية (Deconstruction) نظرية في الفسلفة، بقدر ما هي كذلك في اللغة والنقد الأدبي؟..هذا التساؤل كان محور المحاضرة التي قدمها الناقد الدكتور عادل خميس الزهراني تحت عنوان (التفكيك/التقويض: الفلسفة انطلاقًا من الدال)، ضمن برامج (إيوان الفلسفة) بنادي جدة الأدبي، وحضرها لفيف من المهتتمين والمتخصصين وطلاب الدراسات العليا. ركز الزهراني في محاضرته على تفكيك السؤال الرئيس في محاولة منه لإظهار التناقضات الحتمية التي بني عليها مشروع الفيلسوف الفرنسي، وقال الزهراني: «كانت الفلسفة منذ عرفتها البشرية بحثًا في المعنى (بمفهومه الشامل)؛ في معنى الوجود وعلاقته الحتمية بالفناء؛ في معنى التاريخ وعلاقته بالحاضر، وعلاقتهما (التاريخ والحاضر) بالمستقبل؛ وفي معنى الأشياء (كل الأشياء) وعلاقتها بالكون الفسيح، لكن دريدا، ومشروعه، وُجدا ليسائلا (آلية) حدوث المعنى، ويتفحصا ميكانيكيةَ الوصول إليه، من هنا بدأت رحلة التفكيك مع الفلسفة». وأضاف مقتبسًا جورج طرابيشي: «بدأ التفكيك عمله باعتباره منهج قراءة في تاريخ الميتافيزيقيا، على يد مارتن هيدجير، ومن ثَمّ جاك دريدا، ثم انتقلت المنهجية لقراءة النصوص الأدبية، والدينية، والقانونية، والفلسفية.، وقد سعى دريدا إلى «تفكيك بناء الفلسفة والمذاهب الفلسفية، انطلاقًا من مسألة الكتابة، فهو يندد بامتياز الكلام على حساب الكتابة في كل الفكر الغربي». وشدد الزهراني على أن إضافة دريدا المهمة والخطيرة أن المعنى لا يستطيع الخروج أبدًا من النص (أي من الواقع الذي يبنيه النص) (داخل عالم النص.. المعنى -أي معنى- مسجون داخل النص، داخل الواقع المتجسد في عالم النص فقط)، ويمكن ملاحظة التأثير الواضح لهايدغر على دريدا هنا. فهايدغر يرى أن اللغة هي بيت الوجود، وبدونها لن تكون الأشياء أبدًا على ما هي عليه، ذلك أن اللغة هي التي تستدعيها وتعطينا القدرة على استدعائها. وهذا سيعني أن طبيعة اللغة -وفقًا لدريدا- غير المحددة الضبابية/العائمة، والمرجعية الذاتية للنص، تعني أن الكلمات لا تحيل أبدًا إلى حالات مجسدة في الواقع (إلى وجود محسوس في الواقع.. إلى قضايا/شؤون/ ظواهر فيزيائية مجسدة/محسوسة في الواقع.. وخارج النص)، ومن هنا تبرز عبارته الشهيرة والمحيرة: (لا شيء خارج النص). وختم الزهراني بجملة من الاتهامات التي وجهت وتوجه للتفكيك منها: الغموض، التلاعب بالألفاظ، وإلباس الفلسفة لبوس الأدب، والعدمية واللغزية والعبثية واللاأخلاقية.