عندما شاهدْتُ في وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للسيول الضخمة في جزء وادي الرمّة الذي يقع في منطقة القصيم جرّاء هطول الأمطار الغزيرة عليها، استحضرت مُخيّلتي الحقبة الذهبية لهذا الوادي الذي كان يجري فيه نهرٌ عظيمٌ قبل أكثر من عشرة آلاف سنة، خلال العصور المطيرة في قديم الزمان!. ووادي الرمّة هو أكبر وادٍ في الجزيرة العربية، وكان طوله يبلغ حوالي 1200 كيلومتر قبل أن تُقلّله كُتل الرمال المُتجمّعة مع الزمن، وهو أهمّ الظواهر الجيومورفولوجية في الجزيرة العربية، وحوضه يقع في منطقة القصيم، بينما تتوزّع أطرافه وشعابه والروافد المائية الكثيرة التي تصبّ فيه في قلب عدّة مناطق سعودية هي الرياض، وحائل، والمدينة المنوّرة، ويكاد مسارُه يصل بين البحر الأحمر والخليج العربي، بما في ذلك منطقة العُلا التي كانت معروفة في القِدَم بثمود وكانت وما حولها بنصّ القرآن الكريم جنّاتٍ وعيوناً!. وكان الوادي يسيل ثلاث مرّات بكامل طاقته كلّ مئة عام بعد أن جفّ نهرُه القديم، ويبدو بفضل الله أنّ عدد مرّات سيلانه يزداد، وأنّ المئة عام «الطويلة» لم تعد المدى الزمني الثابت لتحديد عدد مرّات سيلانه، وأنّ المدى سيُصبح أقلّ في فترة زمنية غير معروفة لكنّها أقصر بلا أدنى ريب من المئة عام، فإذا ما استحضرنا أيضاً حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه مسلم، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، بأنّه «لن تقوم الساعة حتّى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً» فإنّ الأمل معقود في أن يمنّ الله علينا بإحياء نهر الرمّة القديم، كأول الأنهار في الجزيرة العربية في الحقبة الحديثة، ويتميّز عن الأنهار الأخرى في الخارج بأنّ منبعه ومصبّه في دولة واحدة هي السعودية، وأنّه كما شهدت بلادُنا تفجّر أنهار البترول في باطنها، قد تتفجّر أنهار الماء على سطحها، وتجتمع فيها بركة الأرض وبركة السماء، وتتّسع فيها الرقعة الزراعية بشكل يجعلنا من أكبر الدول الزراعية في العالم، ويتغيّر المناخ بما يجعل السعوديين يُحجمون عن السياحة الخارجية ويُقبلون على الداخلية، وتتنوّع الحياة الفطرية كثيراً، وما أدراكم قد نستغني بنسبة كبيرة عن صناعة تحلية مياه البحر المرتفعة التكلفة، والتي للأسف لم نُوطّنها حتّى الآن، فنشرب من الأنهار المُتفجّرة ماءً كان في الأصل عذْباً وفُراتاً لا مِلْحاً أُجاجاً، فهل أنا أحلم؟ كلّا، وأرجو الله أن يكون ذلك قريباً، وهو القادر على كلّ شيء، والسعودية ستكون دولة عُظْمَى بحول الله، بتمسّكها بالدين ووجود الحرمين الشريفين فيها، ثمّ بقيادتها العاقلة والحكيمة، شاء من شاء، وأبى من وأبى!.