في رقعة صغيرة من منطقة (الشمال) بمدينة (الجوف) نبتت هذه الحكاية حيث كانت الوالدة «جميلة» زادها الطيبة والكرم، ظلّت أمًا من طراز نادر لأبنائها، عاشت لهم وبهم حتى تخطّفها الموت نهاية لكل شيء في هذا الوجود.. رحلت جميلة تاركة وراءها أبناء لقنتهم الحب فتربّوا على البر والوفاء، كان يوم الوداع ملحمة من حزن، يوم الفقد حيث صوت المؤذن، أرادت ابنتها «وزيرة» الالتصاق بها قبل الرحيل، أن تلتصق بها إلى الأبد، تعلق رائحة حياتها بها لتستنشقها كلما أخذها الشوق منها إليها، كانت لحظةً تسلل فيها صوت المؤذن جريحاً مكسوراً، وتلاشى بعد ذلك كل شيء، وظلت الابنة «وزيرة» تشم رائحتها في البيت، في بخورها، في ثيابها، في أكلها وعطرها، تذوب في أحزانها كما يذوب الوجع في لحن قديم، فقد بات قبر أمها مستودع أسرارها، حيث دفنت أحب الكائنات إليها، في كل يوم أجد على حسابات (الابنة) في التواصل الاجتماعي رثاء لها، الكلمات نهر حزين متدفق لحظاتها لا تخلو وبصورة يومية أو شبه يومية من التواصل مع والدتها، حتى شكلت قصة وفاء شديدة الندرة، أثارت لدي عدة تساؤلات: ما الذي فعلته الأم (جميلة) مع أبنائها ليحملوا لها هذا الحب والحنين المقدس؟!. حتمًا.. فعلت لهم الحياة التي يفتقدونها فيها اليوم لهذا يستعيدونها ذكرى ويتذاكرونها دعاء.. فعلت الكثير الكثير، هذا ما أجزم به تمامًا، كما أن الشيء الذي أستطيع أن أجزم به أيضًا في هذا المقام، أنني أحببت صديقتي «وزيرة» أكثر وأكثر بعد كل هذا ربما حتى أكثر من حبها لأمها.