من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تمرُّ عليه مروراً عابراً. ومن هذه المواسم الفاضلة عشر ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا في قوله: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشيء) متفق عليه. وحث عليه الصلاة والسلام على العمل الصالح فيها؛ بل إن الله تعالى أقسم بها في قوله (والفجرْ وليالٍ عشر) وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم ولا أحب إلى الله العمل فيهن من هذه العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير). وامتاز الله هذا الشهر لاجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره لما فيه من أفضال منها افتتاحه بالأيام المعلومات التي شرع فيها قوله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام). ونختص يوم عرفة فهو يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني. * ومضة: كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده فأكثروا من مستحبات الأعمال وابدأوا بإدخال السرور على المسلمين والشفقة بالضعفاء واصطناع المعروف والدلالة على الخير وسلامة الصدر وترك الشحناء والرفق بالرعية والتقرب لرب البرية.