قبل عشرة أيام كتبتُ مقالاً بعنوان: (أجهزة تختطف الأطفال)، أكدتُ من خلاله ما يُواجه أولياء الأمور من تحديات لمراقبة ومتابعة أبنائهم الذين تعلَّقوا بالأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها، وأصبحوا يقضون معها ساعات طويلة، وذلك وفقا لاستطلاع للرأي، قام به المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إذ أظهرت نتيجة ذلك الاستطلاع أن نسبة الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة حتى سن 15 عاما، بمتوسط أربع ساعات يوميا بلغت 91%. بعض أولياء الأمور كان ولا يزال يستهين بآثار وأضرار بعض تلك الأجهزة، وما فيها من ألعابٍ إلكترونية على أبنائه الأطفال، ولا يلقي لها بالا، ولا يقتنع بأن بعض تلك الألعاب تُساهم في حدوث أضرار صحية للطفل، مثل العزلة والاكتئاب وإجهاد العين وحدوث آلام في الرقبة، إضافة إلى مشكلات في الانتباه والتركيز، تزداد بزيادة أوقات مشاهدتهم وارتباطهم بتلك الأجهزة، يضاف لتلك المشكلات الصحية ما هو معروف من مشكلات اجتماعية ونفسية، وكذلك تأصيل لبعض الأفكار الضارة والمنحرفة. مؤخرا سمعنا عن حادثة انتحار لطفل في الصف السادس الابتدائي شنقا في جنوب المملكة، وقد روت بعض التفاصيل أن الشكوك تدور حول لعبة إلكترونية منتشرة على مستوى العالم، وتستهدف الأطفال والمراهقين، وتتكون من مجموعة تحديات آخرها أن يقتل اللاعب نفسه، وقد أكد عدد من الأطفال المقرَّبين للطفل المشنوق أن انتحاره جاء بسبب تلك اللعبة، وبالرغم من عدم التأكد من هذه المعلومة حتى الآن، إلا أن مثل هذه الحادثة تُقدِّم لنا مثالا خطيرا إلى أي حد يمكن أن تؤدي إليه ارتباط بعض أولئك الأطفال ببعض تلك الألعاب الإلكترونية، وكيف يمكن أن تُؤثِّر عليه لدرجة أنها قد تسلب منه حياته. كثير من الألعاب الإلكترونية التي نجدها اليوم في أيدي الأطفال؛ ألعاب عنيفة مليئة بمشاهد القتل والدماء، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة، مما يساهم مع الوقت في تقليل الحساسية تجاه مشاهد العنف واعتبارها مشاهد عادية ومقبولة، ليس فقط لمشاهدتها، بل وتقليدها خصوصاً في ظل البُعد عن رقابة ومتابعة أولياء الأمور، إذ أن بعض الألعاب الإلكترونية تجدها تسيطر على الأطفال بشكلٍ كامل، وتتحكم فيه، وتهيمن على تفكيره، وتجعله منعزلاً، مما قد يؤدي به للاكتئاب والذي قد يكون طريقاً للانتحار. أسأل الله أن يعين والدي الطفل على فقد ابنهم، وأن يُعوّضهم خيراً، غير أن في حادثة (الحوت الأزرق) مثال واضح وجلي يُؤكِّد خطورة مثل تلك الألعاب، وما قد ينتج عنها من كوارث وانحرافات، خصوصاً تلك التي تحتوي على شخصيات افتراضية، فيندمج معها الطفل ويتقمص تلك الشخصية ويُقلِّدها نفسياً وعقلياً، ويتقبَّل ما تقوم به من انحرافات مختلفة وأفكار ضالة، قد تصل به إلى الجريمة، فهل سيُدرك أولياء الأمور خطورة هذه الألعاب، ويبادروا بالانتباه لأطفالهم ومتابعتهم، أم سينتظرون ضحية أخرى؟.