إن الدين يصقل جوهر الخير في الإنسان الذي يمكنه بأن يقود لا أن يقاد الى أهوائه فينضج فكرًا وسلوكًا بالحق والقيم العليا.. فالتدين الجوهري يتسم بخاصية النفاذ إلى داخل النفس للشعور بوجود الخالق ليعلو بالصوت الداخلي للذات الإنسانية فيحكم سلوك الإنسان، كما أنه الحصانة الروحية الضرورية لصحة الإنسان فيزوده بنسق من القيم والمبادئ والمعايير فيبصر برؤية عالم آخر غير مادي فوق هذا العالم فيه النجاة والرأفة. أما الانسان الذي يستهوي بالدين يكرس جهده في استخدام الدين لتحقيق غاياته الشخصية ليلبس لباس التدين الظاهري، فالقيم الظاهرية دائماً معرضة ونفعية، فيجد الدين وسيلة له من نواحٍ عدة، فهو يزوده بالوجود الاجتماعي وإبراز الذات، فالمتدين ظاهريًا يتجه إلى الله بلا معنى بعيدًا عن ذاته. إن السلوك الإنساني الظاهري للتدين يبدو حريصاً على العبادات الشعائرية لكنه ذو تهاون بيِن في أداء الحقوق والتعاملات المالية والأخلاقية. الحقيقة أن مفهوم الاستهواء بالدين وتجزئته رفضه الإسلام جملة وتفصيلاً، قولاً وفعلاً، فلا يوجد طريق للإفلاس كالتدين الظاهري، ففي الحديث، كما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟.. قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). ان الاستهواء بالدين أدى الى محدودية الإدراك العميق لحقيقة الوجود فخلف ثقافة الذات الخاوية من المعاني الروحية التي ينعكس سلوكها غير المنصف في العلاقات الإنسانية فأعطى انطباعًا خاطئًا عن حقيقة الدين وفهمه لدى بعض الأفراد مما أدى إلى اغترابهم دينياً نتيجة الواقع غير العادل الذي يعيشونه وهذا نتيجة الجهل بمعاني الدين وضعف الوعي بطبيعة النفس البشرية وإسقاط السلوك الإنساني على الدين.