مع تغيُّر الأحوال المعيشية للظروف المحيطة، زادت الضغوط اليومية التي يعيشها البعض، سواء على مستوى الحياة العملية أو الشخصية، فأصبح هؤلاء في حاجةٍ ماسة وملحّة إلى أن يُطوّروا من مهاراتهم وقدراتهم على التعامل مع تلك الظروف، ويأتي في مقدمة تلك المهارات حرصهم على ممارسة أسلوب (التغافل) أو فيما يُسمَّى باللغة العامية عند البعض (التطنيش)، وخصوصاً عن بعض الأخطاء الشخصية والفردية والتي تحدث في حياتنا اليومية، ومن أفراد لا يقصدونها، بل قد تأتي بشكل عفوي وتلقائي نتيجة طبع ما، أو عادة معينة. هذه المهارات التي يجب على البعض أن يعملوا على تطويرها، وذلك من أجل دوام الألفة وبقاء المودة والمحبة، فالتغافل والتسامح يجب أن يكونا بين جميع أفراد المجتمع بشكلٍ عام، وبين مَن تربطهم علاقات مميزة بشكلٍ خاص، مثل الزوجين والإخوة والآباء والأبناء ومن ترتبط بهم صلة الرحم. فالتغافل من أحسن الأخلاق، ويعرف بأنه «تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرُّماً وترفُّعاً عن سفاسف الأمر»، فالمتغافل يعلم بما يحدث ويعرف موقع الأخطاء ويعرف مَن قام بالخطأ، ولكنه (يتغافل) لا لضعفٍ فيه، بل من قوته في ضبط نفسه، ولا من عجز فيه، بل حلم وصبر منه، ولذلك فإن أحد الحكماء كان يقول: (وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل)، ويصف الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- هذا الخلق بأن (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل). هذه الدعوة لمراعاة هذا المنهج، أجدها اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ آخر، فمن خلالها يجب على الإنسان أن يُطوِّر قدراته في أن يسلك منهج السماحة واللين وغض الطرف، وهذا بالطبع لا يعني الغفلة والإهمال والتسيُّب والتقصير، بل يعني نسيان الزلَّات وحسن الظن بالآخرين، وعدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، وعدم تضخيم الأخطاء، وإبقاء باب الأعذار والتواصل مفتوحاً مع جميع الأفراد فضلاً عن أقرب الناس لنا. جميعنا فيه نقص، ولا يوجد بيننا اليوم شخص كامل، فلابد أن يتقبَّل كل مِنَّا الآخر، ولابد أن نتغافل مع مَن حولنا، وخصوصاً مَن نحن مسؤولون عنهم من أبناءٍ أو موظفين أو عمال، فكما أن هناك أخطاء قد تصدر منهم، فإن لهم إيجابيات يجب أن نتذكرها لهم، وأن نغض الطرف عن أخطائهم لنعيش في سلمٍ وأمان وأمن واستقرار، في ظل ما يحيط بنا من ضغوط.