لو أنني وقفت في حفل تكريمي أمامكم لأشيد بإنجازاتي الفكرية، وذكرت لكم أنني نشرت عدداً ما من البحوث، ثم رميت لكم الرمز السحري الذي سأدلل به على عبقريتي قائلة: «ولقد حصلت على 20 ردمك خلال مسيرتي العلمية، فهل ستنبهرون؟» لو أنني أردت تقديم نفسي على أنني متفوقة، فلن أفسر لكم ما هو الردمك حتى تظنوا أني أتيت بما لم تأتِ به الأوائل. الردمك هي عبارة عن الحروف الأولى للمواصفة التصنيفية للكتاب المنشور: الرقم الدولي الموحد للكتاب. بدلاً من أن أقول إنني قمت بنشر 20 كتاباً، وقدمت طلباً لتسجيلها في مكتبة الملك فهد حفظاً لحقوقي الفكرية، وأُعطيت رقمًا بناء على طلبي، أختار أن أكون «حاصلة» على هذا التسجيل كاستحقاق يشهد بتميزي. هكذا يفعل الباحثون في المجالات التقنية والعلمية، فهم مخترعون «حصلوا» على براءة اختراع، لكن هذه البراءة ليست شهادة علمية، هي فقط شهادة حقوق قانونية، كما أنها لا تُمنح، بل تُطلب بموجب تعبئة نموذج يتم تقديمه لمكتب البراءات والعلامات التجارية بغرض حماية حقوق الباحث الحصرية. البراءة هي ترخيص احتكار مؤقت يمكن المخترع من صنع أو استخدام أو بيع الاختراعات والآلات والمواد الكيميائية والتصاميم ووسائل إنتاج النباتات، فهو ملك له مثل أي أصول تجارية. أما الحقوق الفكرية فتحفظ النظريات العلمية والصيغ الرياضية، وأي أداء عقلي مجرد، وأي منتج فكري أو أدبي أو فني. وتتساوى شهادة البراءة للاختراعات مع استمارة إثبات الملكية الفكرية في حفظ حقوق صاحبها من السرقة ومن أي طرق انتفاع غير مشروع. على عكس حقوق الطبع والنشر، فمن أجل التأهل لبراءة الاختراع لا بد أن يثبت الباحث نفعيته العملية. يتم تقديم الطلب مع الرسوم إلى مكتب البراءات، وفي حالة منح البراءة، يجب على المخترع دفع رسوم صيانة، وإن تم التقديم بدعم من وكيل براءات مرخص للمساعدة في تعقيدات قانون البراءات تُدفع رسوم إضافية. وتعد هذه البراءة إقليمية، أي أنها مثبتة في البلد الذي صدرت فيه، كما أن مدة صلاحيتها لا تزيد عن 20 عاماً، يصبح الاختراع بعدها ملكية عامة يمكن لأي شخص استخدامه أو بيعه. كل ما تشهد به براءة الاختراع هو أنه جديد ومفيد ومبتكر، ولا علاقة لها بالجودة ولا بالتميز ولا بالكفاءة.. كما أن إصدار براءة الاختراع لا يضمن أن الابتكار له أي نوع من الأهمية، أو أن براءة الاختراع توحي بأن الابتكار المحمي هو أمر ذو قيمة . إحدى الحقائق المؤسفة لنظام البراءات هو أن مكتب براءات الاختراع يستقبل أعداداً هائلة من الطلبات (ما يزيد عن 600000 طلب)، والمدققون لا وقت لديهم للتعمق والتحقق. وهناك اعتقاد كامن بين الفاحصين أن إنفاق الوقت الطويل في المراجعات العلمية لا معنى له، حيث أن 95٪ أو أكثر من براءات الاختراع الصادرة ذات صلة تجارية لا علمية. وتبقى أهمية البراءة في تقييم الجودة منحصرة في الأهمية المحتملة بالسوق. هل يعني ذلك أن كل طلب براءة مُستجاب تلقائياً دون تمحيص؟ الحقيقة أن الرفض وارد لأسباب تقنية، وليست علمية، مثل: الكشف عن اختراع مماثل صدرت له براءة، أو الاستبعاد بناء على قضايا شكلية متعلقة بالمواصفات غير المستوفاة في النموذج. يشترط للحصول على شهادة البراءة أن يكون العمل حديثاً، أي لم يتم نشره من قبل، وأن يكون جديدًا أي لم يسبقه إليه أحد، وأن يكون مبتكراً أي غير تقليدي، وأن يكون قابلاً للتطبيق الصناعي التجاري. أما شهادة البراءة فهي مجرد حق حماية، هي تسجيل ملكية يبدأ بطلب من صاحب الاختراع، ولا علاقة لها ببراعة المخترع، ولا هي شهادة له بالتميز.