جاء دخول السعودية للعصر الشمسي، والذي كشفت عنه زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، ليزيح الستار عن طاقات إبداعية في مجال الطاقة الشمسية من جهة، وفي مجال البحث العلمي العالمي من جميع الجهات. وزاد من اهتمام العالم بالخطوة السعودية الجديدة، ما ورد في الجدول الزمني لأكبر مشروع طاقة شمسية في العالم؛ إذ تأكد الجميع أنهم على موعد مع شمس حقيقة مؤكدة، تقول: إن السعودية تتمسك بصدارة قطاع الطاقة في شكله الجديد. وفيما بدأت الخطوة الأولى للمشروع العملاق في أكتوبر 2017، عندما وُقِّعَت مذكرة تفاهم بين صندوق الاستثمارات العامة وصندوق رؤية سوفت بنك؛ لإنشاء «خطة الطاقة الشمسية 2030»، على هامش أعمال مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) في الرياض، وقّع ولي العهد في مارس 2018 بصفته رئيسًا لمجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة- مذكرة تفاهم موسعة مع السيد ماسايوشي سون، رئيس مجلس الإدارة لصندوق رؤية سوفت بنك مذكرة لإنشاء «خطة الطاقة الشمسية 2030».. ومن المرجح أن يكتمل المشهد في مايو المقبل، مع انتهاء دراسات الجدوى بين الطرفين حول المشروع، وينطلق المشروع هذا العام مؤذنًا بالإنتاج في العام المقبل 2019. حدث ويحدث الآن في «كاوست» توازيًا مع هذا التحرك، كانت المملكة تشهد مؤتمرات علمية، وأبحاثًا عملية في مجال الطاقة الشمسية، عبرت عن نفسها في شكل نتائج وتوصيات، بل ومحطات طاقة عرفت طريقها للنور. وفي ذلك طغت أو طفت أو سطعت على السطح، مصطلحات باتت دارجة عند قطاع كبير من المختصين والممستثمرين، فضلًا عن طلاب البكالوريوس والماجستير والدكتوراة.. ومن العصر الشمسي الي حقول الطاقة وصولًا لتخزين الخلايا الشمسية، ومرورًا بتوفير الهيدروجين اللازم للتخزين، اقتربت هذه المصطلحات الشمسية الجديدة من أرض الواقع السعودي الجديد.. وكعادتها كانت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» المقامة على أرض وادي ثول، مشتعلة ومنشغلة بأبحاث الطاقة الشمسية، التي صاغها ويصوغها علماء عالميون وسعوديون.. في البداية، يقول البروفيسور كيم تشون نغ، أستاذ العلوم والهندسة البيئية في مركز تحلية المياه، وإعادة استخدامها التابع لقسم العلوم البيولوجية والبيئية والهندسة: إن تقنيات تحلية مياه البحر باستخدام طاقة شمسية تنسجم مع رؤية المملكة 2030؛ حيث «استطعنا أن ننقل بحثنا من المختبر إلى القطاع الصناعي». ويضيف أن هذه التقنيات ليست مبتكرة فحسب، بل هي أيضًا منخفضة في استهلاكها للطاقة وتكاليف الصيانة. وكان البروفيسور كيم تشون قد انتهى من تطوير عملية تجمع بين التحلية بالامتزاز (AD)، والتحلية بالتقطير متعدد المراحل (MED)؛ لتعزيز التفاعل الحراري وأطلق عليها مسمى «مِداد» MEDAD؛ ما أدى إلى ارتفاع كبير في أداء إنتاج المياه مقارنة بتحلية التقطير متعدد المراحل التقليدية. ويضيف: «لقد دمجت دورة التحلية بالامتزاز مع التحلية بالتقطير متعدد المراحل لتعزيز إنتاج المياه المحلاة، وكانت هذه الفكرة وراء تأسيس شركة مِداد المستقلة في عام 2012». نجاح أول محطة تجريبية من داخل «كاوست» بدأت فكرة إنشاء محطة تجريبية لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية. وتعتمد دورة التحلية بالامتزاز على تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية بدرجة حرارة 60-80 درجة مئوية. بعد تكثف البخار يصبح ماءً نقيًّا. ويقول كيم شون: «تصبح هذه المياه صالحة للشرب بعد المعالجة؛ لأنها تفتقر إلى المعادن؛ حيث يضاف الكالسيوم وكذلك غاز الأوزون لتطهير المياه لأغراض الشرب»، ويعزز دمج الدورتين AD وMED من إنتاج المياه إلى ما يقارب الضعفين. ويقول الدكتور محمد وكيل شاهزاد، عالم البحث في مركز تحلية المياه وإعادة استخدامها بجامعة «كاوست»: «إن مضاعفة إنتاج المياه في نفس درجة الحرارة يقلل من تكلفة إنتاج المياه، كما أن تكلفة إنتاج دورة المياه في «مِداد» هي الأدنى، إذ تبلغ 0.48 دولار لكل متر مكعب مقارنة بالتحلية بالتقطير السريع المتعدد المراحل، الذي يكلّف 1.201 دولار أمريكي لكل متر مكعب. لقد تعاونت «مِداد» مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في مشروعات تحلية المياه. حيث تم تكليفها بأول مشروع تجاري بمقدار 100 متر مكعب يوميًّا في فبراير 2017 في القرية الشمسية، قرب الرياض وتعمل بنجاح مع مراجل مساعدة بالطاقة الشمسية. ووقّعت مذكرة تفاهم أخرى مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لمشروع يغطي 2000 متر مكعب يوميًّا في موقع المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في ينبع. مؤتمرات وجوائز عالمية في فبراير 2017 افتتح المحطة وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وحصلت تقنية «مِداد» لتحلية المياه على جائزة تحدي الابتكار العالمية لشركتي أرامكو - جنرال إلكتريك لتحلية مياه البحر في عام ومُنحت الجائزة لأقل التقنيات تكلفة للمتر المكعب من إنتاج المياه المحلاة. ولدى مركز تحلية المياه وإعادة استخدامها بالجامعة محطة تجريبية لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية تنتج 8-10 متر مكعب من المياه المحلاة يوميًّا تحتل مساحة 200 متر مربع. وفي نفس الشهر نظمت الجامعة «مقاربات في تحويل الطاقة الشمسية»، الذي جمع باحثي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) جنبًا إلى جنب مع زملائهم في العالم لمناقشة أبرز المستجدات في تطوير استخدام الطاقة الشمسية عالميًّا. وتوصل المؤتمر إلى عدد من الأفكار والنتائج والبحوث مع التقنيات الناشئة في مجال الطاقة الشمسية. وقد تمحور المؤتمر حول ثلاثة محاور: العوامل التي تحدّ من الأداء والتحديات في تقنيات تحويل الطاقة الشمسية؛ المقاربات التآزرية الناشئة؛ ومنهجيات التغلب على محدّدات الأداء الحالية. وقام علماء من مختلف التخصصات، بما فيها الكيمياء والفيزياء وعلوم المواد، بمناقشة وتقييم الأبحاث الفوتوفولتية والفوتوكيميائية والفوتوتحليلية. الحرارة المرتفعة مخزون إستراتيجي إيف غنانو عميد قسم العلوم والهندسة الفيزيائية في «كاوست» يقول: لقد أظهرنا منذ انطلاقة الجامعة التزامًا قويًّا بالطاقة الشمسية، وأستطيع أن ألحظ بعض التغييرات الدراماتيكية في مجال الطاقة الشمسية، فالمملكة العربية السعودية تدخل العصر الشمسي، ونحن سنركز على مسألة الحرارة المرتفعة؛ لأننا موجودون في المملكة، ونحن نريد دعمها. ومن جهته، أوجز البروفسور إيان مكولوش، مدير مركز جامعة الملك عبدالله للطاقة الشمسية، الدور الذي يلعبه المركز في مخرجات الجامعة البحثية وأهدافها المستقبلية، مركزًا على الطبيعة الدولية التعاونية للمركز والجامعة ككل. وقال مكولوش: إن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية جامعة متعاونة للغاية، ونريد فيها توسيع نطاق تفاعلنا العالمي. أما في المركز، فإننا نطمح إلى أن نكون مركزًا تطبيقيًّا. لدينا مرافق وكوادر ممتازة ونريد التعاون لحل المشكلات الشمسية إقليميًّا وعالميًّا». ويضيف: «نحن نبتكر علميًّا وتكنولوجيًّا في مجال تحويل الطاقة الشمسية. ونوفّر، في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، بيئة رحبة للبحوث متعددة التخصصات والتدريب والإبداع. لسنا مركزاً افتراضيًّا، بل نتمتع بحضور مادي وبقدرات عالمية رائدة». أما البروفيسور ستيفان دي وولف، أستاذ علم المواد في جامعة الملك عبدالله والتقنية، فأكد ما نودّ تحقيقه هو ربط الناس من مختلف المجالات؛ لخلق مساحة للتعاون في مجال الطاقة الشمسية. بناء حقل الطاقة الشمسية البروفيسور إدوارد سارجينت، أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في جامعة تورونتو يرى أن هناك خطوات هائلة لبناء حقل الطاقة الشمسية على مدى السنوات القليلة الماضية. ونشعر، من خلال دراساتنا، أن الحقل يحتاج إلى تجاوز الاختبار القائم على النيتروجين، فثمّة حاجة لخلايا بيروفسكايت قادرة على تحمل الهواء. نريد أن نحد من العيوب، وأن نستنبط طرقًا للاستفادة من الطاقة، خاصة عندما تتبقّى طاقة غير مستغلة على الشبكة. أما البروفيسور جويل آجر، الأستاذ المساعد في قسم علوم المواد والهندسة في جامعة كاليفورنيا، فيشرح كيف يمكن في المستقبل أن يوفر الوقود المتجدد بالطاقة الشمسية والكيماويات السلعية بديلًا للاستخدام الحالي غير المستدام للوقود الأحفوري. ويقول آجر: «إن تطوير الخلايا الشمسية الكهروضوئية في جميع أنحاء العالم طموح للغاية، وهناك ما يقرب من 100 بالمئة من السيناريوهات المتجددة تحتاج إلى تخزين الطاقة». وأضاف: «إن الوقود الهيدروكربوني لا مثيل له في قدرته على تخزين الطاقة، وهذا ما نريد أن نجعله متجددًا في المستقبل. نريد توضيح ما يمكن أن يكون عليه مستقبل الطاقة. نتخيل إضافة خلايا شمسية كبيرة جدًّا إلى مزارع الهيدروجين». أحفادنا ينتظرون أبحاثنا الدكتور هارالد آدي من مختبر الإلكترونيات والكربون الإلكتروني في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، يختص بنمو حقل الخلايا الشمسية العضوية. ويستهدف تحدّيد الخلايا الكهروضوئية العضوية، كمجال يجب أن تتجه إليه الطاقة الشمسية. ويقول: «لا تزال الخلايا الشمسية العضوية-البوليمرية تمثّل تقنيةً واعدة لتحويل الطاقة. يوجد مورفولوجيا أكثر تعقيدًا في الأجهزة الشمسية المطبوعة، ويمكن استخدام الخلايا الكهروضوئية الانتقائية ذات الطول الموجي لاستخدام الطاقة الشمسية في الدفيئات المتكاملة التي تعمل بالطاقة الشمسية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كان انتشار مرنان الأشعة السينية (R-SoXS) مفيدًا جدًّا. ويمكن قياس المعلمات المورفولوجية من خلال أداة فريدة من نوعها وهي هذا المرنان». بدورها تقول الدكتورة جيليان بريك، أستاذة الكيمياء في جامعة ألبرتا (كندا)، ورئيسة تحرير نشرة Chemistry of Materials العالم ينتج نحو 300 مليون طن من البلاستيك سنويًّا. ويمكننا فعل الكثير مع البلاستيك، بما في ذلك تحويل الطاقة. إننا نواجه تحديات، ولكن التحديات هي أيضًا فرص. علينا النجاح في الاستفادة من الطاقة الشمسية، فأحفادنا يعتمدون علينا.