يحتاج كثيرون إلى الكلام واللجوء إلى «الفضفضة» خلال مرورهم بمشاعر قلِقة مُتذبذبة أو أحداث مضطربة أو متغيّرات اجتماعية ونفسية وصحية وزوجية، تؤثر على سلوكياتهم ونومهم وأمزجتهم. ومن المُتعارف عليه الشعور ببعض الارتياح المزاجي والانفراج النفسي، عند الحديث عن المشكلة أو المرحلة التي يمرّ بها أحدهم، وبخاصة أمام شخصٍ غريب يتحلّى بالثقة والمهْنية والحكمة والتعليم المطلوب للاستماع والتقييم، وإعطاء فرصة لمن يطلب العون للكلام والبكاء والتفكير وإبداء الانطباعات وإظهار المشاعر والتنفيس عن الضغوطات المُختلفة، ومناقشة المشكلة من أبعاد ووجهات نظر قد تخفى عليه في ظلّ تكالب المشاعر السلبية ووجوده في وسطها، والمساعدة على حلّها بأساليب أفضل وأجدى، والخروج من الفترة العصيبة والتجربة المريرة بأقل الخسائر النفسية والاجتماعية المُمكنة. وتختلف الأحوال الصحية والنفسية والاجتماعية التي يمكن اللجوء فيها إلى العلاج بالكلام، فهي تتراوح من اضطرابات نفسية كالاكتئاب والتوتر والقلق والخوف المَرضي والإدمان والوسواس القهري، واضطرابات النوم كالأرق المُزمن، مروراً بأمراض عُضوية حادة أو مزمنة كأمراض السكّري والقلب والمخ والأورام، وليس انتهاءً بالتعرّض للإساءة العائلية والإيذاء الجسدي والجنسي والاضطهاد الاجتماعي، فضلاً عن مُشكلات الزوجين من خلال ما يسمى بالاستشارات الزوجية، بما قد يتضمّنه من مُشكلات الانفصال التي تؤثر على الأطفال. ومن خلال هذا النوع من العلاجات المعرفية السلوكية، تظهر الفائدة الأكبر عن طريق تغيير نمط التفكير والتحكّم بشكل أفضل في الانفعالات والتركيز على الجوانب الإيجابية، وضبط العلاقات الاجتماعية مع الأشخاص في البيئة المُحيطة، ومحاولة الخروج من إطار المشكلة للنظر لها بشكل أشمل وأوضح لتجنّب حصول مثيلاتها في المستقبل. من المُلاحظ انتشار «الفضفضة» في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال كثير من المستخدمين لها للحديث عن أفكارهم ومشاعرهم وإحباطاتهم الآنية والمزمنة بشكل عفوي أو مُبهَم، على صفحات يطّلع عليها أشخاص أغراب، وقد يشعرون بعدها بتحسّن أو تفريغٍ للشُّحنات السّالبة، مما يُشير إلى احتياج كثيرين إلى التعرّض للعلاج بالكلام بشكلٍ أكثر مِهْنية وانضباطاً، وضرورة تدريب الكفاءات وتفعيل أدوار المختصين في العلاجات المعرفية السلوكية في المجتمع، والاستفادة من فوائدها المتعددة.